- الرئيسية
- مقالات
- رأي
اليوم التالي
ماذا لو أفاق السوريون ذات يوم وسمعوا خبراً يفيد بتوقف عمليات القصف والقتل الذي يمارسها النظام وداعموه في حق مواطنيه، والقتال بين الفصائل، وبين الفصائل والنظام؛ بمعنى توقف الرصاص والبدء بمرحلة ترتيب سياسي جديد للبلاد المدمرة؟
لا شك أن هذا يبدو، للوهلة الأولى، سؤالاً افتراضياً. ولكنه، من جهة أخرى، يحمل بعض إمكانات تحققه، خاصة وأن مثل ذلك القرار ستتخذه جهات دولية وإقليمية، لا السوريين.
ولكن كيف سيتعامل السوريون مع خبر كهذا؟
بعيداً عن الجوانب العاطفية والوجدانية، التي لم تُبقِ كثافة القتل ووحشيته مكاناً لها، فلا وقت للحزن والتعازي، ولا وقت أيضاً للفرح والأعراس، فالطائرات لم تترك ساحات لها؛ دعونا نتأمل الوضع ببرود، على الرغم من أنها حالة افتراضية تماشياً مع ما بدأت منه، ولكنها ممكنة.
تمظهرت السياسة الأميركية تجاه سورية، أيام إدارة أوباما، في عدم الانخراط المباشر والقوي فيها، والاكتفاء بحالات الدعم المحدود التي لا تؤدي إلى تغيير جدي في ميزان القوى لصالح الفصائل المعارضة، والاكتفاء بإدارة الأزمة من الخلف، ربما في مسعى لتفتيت قوى الثورة العسكرية، نتيجة أسباب عدة أهمها الموقف من إسرائيل وعدم تكرار تجربتي أفغانستان والعراق. هذه السياسة التي التقطها الرئيس بوتين، الطامح إلى عودة بلاده إلى حالة إمبراطورية، أو حالة قوة عظمى، بعد أن فقدت دورها الدولي أيام الحرب الباردة، وعانت الكثير من الأزمات الاقتصادية، كما تعرضت لعملية إذلال قوية من الغرب تمثلت في تطويق حلف شمال الأطلسي روسيا بشكل شبه كامل. الأمر الذي ولد ردات فعل عنيفة لدى الأخيرة، ولدى بوتين، بغزو أوكرانيا، وتنصيب حكم موال له، بعد ضم شبه جزيرة القرم، ما دفع الغرب إلى تقييده بمزيد من العقوبات.
لم يكتف بوتين بالدولة الجارة بل قرر الاقتحام، بعد التقاطه اللحظة المناسبة وهي انسحاب الإدارة الأمريكية من ساحة الصراع على سورية، وبالتنسيق الكامل مع إسرائيل بما يضمن أمنها وسلامتها من جهة، وإطلاق يدها بالكامل فوق الجغرافية السورية من جهة أخرى؛ فقرر التدخل العسكري المباشر، في نهاية أيلول 2015، لرسم الخارطة الجديدة، ولجعل سورية منطقة نفوذ قديمة/ جديدة له، أو ورقة تفاوض هامة مع الغرب وأميركا.
يلاحظ المراقب للمجريات الأخيرة في سورية، والترتيبات الدولية والإقليمية الجديدة، أن الأمور تسير نحو حل ما، ينطلق من الثوابت التي فرضتها روسيا بالقوة وبالاتفاق مع إيران على الأرض، وباشتراك تركيا -لأسباب عدة- في العملية، وأخيراً أميركا، في ما عرف باسم مناطق خفض التصعيد، نحو تعميمها على معظم المناطق عدا مناطق المعارك مع داعش، والتي ستدخل في التسوية النهائية لشكل الحكم في سورية.
بمعنى أنه تكون مناطق خفض التصعيد، أو مناطق تقاسم النفوذ، أو مناطق سورية المقسمة؛ هي نقطة الانطلاق نحو حل ما.
لا شك أن مصالح الدول التي فرضت هذه المناطق تقاطعت عند هذه النقاط، ولكن هناك تباينات كثيرة بينها، فلكل دولة مصالح وفق رؤيتها وقدرتها على تطبيق تلك الرؤية من حيز إقليمي إلى دولي.
ويبقى السؤال الأهم: كيف سيتعامل السوريون مع هذه الاتفاقات والصراعات بين تلك الدول؟
لم تكن الحالة التي وصل إليها السوريون بعيدة عن صراع تلك المصالح وسعيها الدائم وتحكمها إلى درجة الهيمنة، إضافة إلى وحشيتها في تدمير المدن والبشر، مما كان وراء عزوف الناس عن الاهتمام بقضيتهم، واللجوء إلى وضع من التسليم الكامل لإرادة تلك الدول أو غيرها. وصار الجواب البسيط والسائد أن حل قضيتنا خارجي، ولا يمكننا أن نغيّر شيئاً، وكأن الأمر قضاء إلهي.
إن عملية الخلاص من الاستبداد ونظامه الأسدي تبدأ بخلخلة بنيته، وهو ما أنجزته الثورة السورية من خلال إضعاف شوكة أجهزته الأمنية وكسر سطوتها، وهي الخطوة الأولى نحو التحول الديمقراطي، مع معرفة أنه مسار طويل لا بد من استكماله بالعمل على الإفراج عن المعتقلين، والخلاص من ميليشيات إيران الشيعية التي حولت التنوع المذهبي والعرقي في بلدنا إلى عامل تقسيم وصراع. ولجميع السوريين مصلحة في هذا الخلاص، كما لا بد من تعزيز العلاقة مع الدول التي لها مصلحة فيه، أو في إضعاف دور إيران، وأولها تركيا والولايات المتحدة وحتى روسيا.
وكي تكون خطوة السوريين مقبولة من الدول المعنية، لا بد أيضاً من العمل على الخلاص من الفكر المتطرف مهما اختلفت تسمياته.
فالإجماع الوطني حول قضية مشتركة، تحظى بتأييد دولي كبير، هو المقدمة الأساسية لكسر الاستبداد والانتقال نحو الديمقراطية، في مسار يضمن حقوق الجميع.