روث شيرلوك - دايلي تلغراف
ترجمة مأمون حلبي
ملأت حنان وثلاثٌ من صديقاتها أوانيهنّ بالثلج ثم أفرغنها ليشكّلن أبراجاً للقلعة التي كنّ يبنينها. كانت لحظة راحةٍ بريئةٍ للطفلات –جميعهنّ دون الثامنة– اللواتي أمضين نصف حياتهنّ يتحمّلن العنف وحرمان الحرب. لكن، في الخيمة وراءهنّ، كانت أم حنان في حالة يأس. لقد تسبّبت العاصفة، الأعنف التي تحلّ بلبنان على مدى عشر سنواتٍ، بحالةٍ من الفوضى في مخيّم اللاجئين الذي اعتبرته أم حنان موطنهم طيلة السنتين الماضيتين، منذ أن فرّت مع عائلتها من الحرب في سوريا. كاز موقد الطبخ الصغير تمّ استهلاكه، ولم يكن لديهم نقودٌ لشراء المزيد. البطانيات والفرش كانت مبللةً بعد أن انهار سقف الخيمة جزئياً تحت ثقل الثلج. كان من الظاهر أنه ما من سبيلٍ لإبقاء أطفالها دافئين مع حلول ليلةٍ درجة حرارتها تحت الصفر. "الخيمة شديدة البرودة ورطبة"، قالت أم حنان، التي رفضت بأدبٍ إعطاء اسمها، وهو أمرٌ شائعٌ بين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في خوفٍ دائمٍ من ردود الفعل الانتقامية.
تعاونت وكالات إغاثةٍ محليةٌ ودوليةٌ لمساعدة مئات آلاف السوريين الذين يعيشون في لبنان في ظروفٍ مزرية. لكن، حتى في أفضل المخيّمات، هناك نساءٌ ينتظرن في طابورٍ وأقدامهنّ مكشوفةٌ ودون ملابس شتوية. لقد مضت أربع سنواتٍ منذ أن بدأت الحرب في سورية، وما زال كثيرٌ من اللاجئين يملكون فقط الملابس الممزقة التي فرّوا بها. كثيرٌ من النسوة الهاربات من إطلاق النار، ودون أن تكون لديهنّ فكرةٌ عما كان بانتظارهنّ، التقطن على عجلٍ مقنياتهنّ المفضّلة. البارحة ضجّ المخيّم بأصوات دقّ المطارق والكنس والصراخ، عندما حاولت بعض العائلات إصلاح سبعة بيوت إيواءٍ خشبيةٍ وقماشيةٍ انهارت جزئياً. رجالٌ وفتيةٌ صغارٌ مشوا بتثاقلٍ في طينٍ يصل إلى مستوى قصبة الساق وهم يترنّحون، وأحياناً يقعون على ركبهم، أثناء محاولتهم جرَ ألواحٍ خشبيةٍ وأقمشةٍ إلى خيامهم. في زقاقٍ ضيقٍ بين الخيام طفلٌ، عمره أقلّ من ثلاث سنواتٍ، يمشي حافياً وينشج باكياً لأنه أضاع والديه. فتاةٌ ترتدي فيزوناً رقيقاً وكنزةً خفيفةً وكلاشاً صيفياً كانت تجهد في حمل أخيها الأصغر لتحمي قدميه من الأرض المتجمّدة. ناريمان، من حمص، ملأت أرض الخيمة بالأواني لتجمع الماء الذي كان يتساقط نقاطاً من سطح خيمتها. مريم، 19 عاماً، وصفت الخوف الذي شعرت به في الليلة السابقة، عندما بدأت الجدران تنحني تحت ثقل الثلوج: "ركضنا من الخيمة في منتصف الليل، لأننا كنا خائفين من أن تهوي فوقنا. نمنا في بيت أحد جيراننا. تقريباً كلّ الخيام تضرّرت بشكلٍ أو بآخر، والخيام التي لم تتضرّر تنام فيها خمس أو ست عائلات حالياً".
بدأت مفوضية اللاجئين، منذ الخريف، باتخاذ إجراءاتٍ لمواجهة احتمال الطقس السيء، فوزّعت النقود ومواقد الطبخ وقسائم الوقود والبطانيات للأكثر ضعفاً. وقرابة 250 ألف شخصٍ يعيشون في عنابر محطّمةٍ ومباني غير مكتملةٍ تمّ إعطاؤهم عوازل بلاستيكيةً للأَسرّة وخشباً وأدواتٍ عازلةً أساسية. لكن بنيت كيلي، ممثلة المفوضية في لبنان، قالت إن هذا كله لا يكفي: "بالرغم من جهودنا القصوى، يبقى وضع اللاجئين في لبنان خطيراً، بالنظر إلى الظروف شديدة البؤس التي يعيشون فيها، وكذلك تبعثرهم. إنه لتحدٍ مستمرٌّ ضمانُ أن يبقى اللاجئون، المبعثرون في أكثر من 1700 مكانٍ، آمنين ودافئين في الشتاء".
حوالي نصف عدد سكان سورية، الذي يبلغ حوالي 22 مليون نسمة، هجروا بيوتهم في النزاع الذي حصد أرواح أكثر من 200 ألف شخص. وشهدت الكارثة هروب حوالي 1,5 مليون شخصٍ عبر الحدود إلى لبنان الصغير، الذي يعاني أصلاً من آثار حربه الأهلية التي دامت 15 عاماً. لقد وضعت التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لهذا التدفق عبئاً لا يُطاق على الجماعات المضيفة. وحتى عندما ازداد عدد الذين هم في حاجةٍ ماسّةٍ إلى المساعدة، شهد مستوى المساعدات الدولية انخفاضاً كبيراً، تاركاً عشرات الآلاف في شروطٍ يائسةٍ ودون أية وسائل للنجاة.
لكن العودة إلى سورية ليست خياراً، كما تقول إحدى السيدات التي كان منزلها مدمراً: "الله سيحمينا. هذا هو أملنا الوحيد".