أطفال من قرية أبو النيتل | عدسة بلال | خاص عين المدينة
قبل الثورة، وقبل أن يعتاد أطفال سوريا على العديد من أشكال الحرمان، كانت بعض القرى في ريف دير الزور تعاني من نقصٍ هائلٍ في الخدمات، ومن شروط حياةٍ لا تليق بالبشر. وبما أن الأطفال هم الشريحة الأكثر حساسيةً تجاه شروط الحياة غير الملائمة فقد كانوا الأكثر تضرّراً.
معاناةٌ مضاعفة... إهمالٌ مضاعف
"عين المدينة" حاولت رصد معاناة هؤلاء الأطفال. لا المعاناة الناجمة عن الحرب الدائرة فحسب، بل تلك التي عايشوها أساساً وفاقمتها الظروف الحاليّة. التقينا بالسيدة ناريمان شاكر عزاوي، وهي مرشدةٌ نفسيةٌ عملت عدّة سنواتٍ في مجال التدريس، فقالت: إن الكثير من أشكال المعاناة التي يعيشها أطفال سوريا اليوم قد عاشها، وبشكلٍ اعتياديٍّ، آلاف الأطفال في ريف دير الزور دون أن يلتفت إليهم أحد. وهم يعانون الآن معاناةً مضاعفةً عن تلك التي عايشوها قبل الثورة، ومضاعفةً مقارنةً بما يعيشه غيرهم من أطفال دير الزور نفسها، على سبيل المثال. وينطبق هذا الكلام على الكثير من القرى التي تعاني من فقرٍ شديدٍ، ويعاني سكانها من شروط حياةٍ غايةٍ في الصعوبة. ومنها يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر قرى خط الصوَر، مثل قرى أبو النيتل وبسيتين ورويشد ومعيجيل ومويلح. بإمكانك، من دون عناء، أن تقدّر حجم البؤس الذي يعيشه الصغار فيها.
والمفارقة أن الإغاثة ومشاريع الدعم النفسيّ لا تتدفق إلى هذه المناطق التي يعيش فيها هؤلاء شروط حياةٍ بائسة، بل تتجه بشكلٍ أساسيٍّ إلى مراكز المدن، كالميادين والبوكمال والمحرّر من دير الزور. على الرغم من أن أطفال هذه المناطق - مقيمين ونازحين - يحيون شروط حياةٍ لا تقبل، ولا بأيّ شكلٍ من الأشكال، أية مقارنةٍ مع شروط حياة هؤلاء. ومردّ ذلك إلى أن هذه المناطق البائسة لا يتوافر فيها من الوعي ما يمكّن أهلها، أو الشبان فيها بصورةٍ خاصة، من إدراك مدى معاناة هذه الشريحة العمرية وأثر ذلك في نموّها النفسي والاجتماعي، في غياب أي شكلٍ من أشكال النشاط الاجتماعيّ الموجّه والهادف والمتمحور حول الطفولة وحدها.
التلفاز والمدرسة نافذتان مغلقتان إلى أن...
وحول التأثير الذي أحدثته الحرب الدائرة الآن في حياة هؤلاء التقينا بالسيدة هيفاء مصطفى، من أهالي منطقة الصوَر، التي قالت: الذي زاد الأمور بؤساً بالنسبة إلى الأطفال في منطقتنا يتمثل في جانبين؛ الأول هو غياب المدارس التي كانت، وعلى الرغم من سوئها، "تحرّك الماء الراكد" وتحدث نوعاً من التغيير في حياة الأطفال. لدرجة أن شدّة الفقر هنا تجعل الطفل يعتبر مجرد إمساكه للكتاب المدرسيّ الجديد حدثاً مهماً، ووصول سرفيس المعلمات من المدينة، حتى بالنسبة إلى الطالب الكسول، يعدّ حدثاً. هذا هو الجانب الأول، أما الجانب الثاني فكان يتمثل في برامج الأطفال لمن يحتوي بيته تلفازاً. إذ يعتبر وجود التلفاز أمراً مهماً جداً في بيئةٍ من هذا النوع، لأنه يشكل النافذة الوحيدة تقريباً لهذا الطفل على العالم الخارجيّ. وقد أغلقت هذه النافذة تقريباً في العامين الأخيرين، بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائيّ، أو انعدامه في بعض القرى.
وهنا نتساءل: هل هؤلاء الصغار أقلّ قيمةً إنسانياً من غيرهم؟ ولماذا لا يلتفت إليهم أحد؟ لماذا تتحوّل الكهرباء إلى حلمٍ، والمدرسة كذلك؟ وهذه المنظمات، التي ترعى الطفولة، لماذا تنسى الأطفال الأكثر تضرّراً وتتوجّه إلى آخرين أقلّ حاجة؟
في قريةٍ من قرى ريف منطقة الصوَر، وهي قرية أبو النيتل، التقت "عين المدينة" بأحد الأطفال، الذي حدّثنا بزهوٍ عن آخر دميةٍ صنعها من الطين، وكم استمرّ صمودها قبل أن تتشقق: لا توجد ألعابٌ حقيقيةٌ عندنا، لكننا نقضي الوقت باللعب بالعصيّ أو بالحجارة. وأحياناً نلعب بالطين ونصنع منه أشكالاً صغيرة.