التلوّث النفطيّ... بين التهديد الصحّيّ والأعباء المنزليّة

من قرى الخابور | عدسة هاشم

ربما كانت "التلوّث" المفردة الأكثر استخداماً في ريف دير الزور خلال العامين الأخيرين، والكلمة الأكثر شيوعاً على ألسنة الناس عموماً، والنساء بصورةٍ خاصّة، لأن معاناتهنّ مع التلوّث تختلف عن معاناة الرجل.

"عين المدينة" جالت العديد من القرى والمدن التي ترتفع فيها نسبة التلوّث، بسبب عملية التكرير البدائية للبترول، وحاولت أن تسلط الضوء على معاناة المرأة مع هذه الظاهرة، والتي تبدأ مع المهام والأعباء المنزلية الإضافية المرتبطة بالتلوّث، وتنتهي بالمخاوف المتزايدة من الأمراض التي قد يسبّبها. السيدة أم طارق، ربّة منزلٍ من ريف الميادين، قالت: "التلوّث بالنسبة إليّ هو السواد الذي يعلق على البلاط والجدران ويتطلب منّي جهداً أكبر للتنظيف، وهو أيضاً السواد الذي أجد آثاره على وجوه أبنائي كلّ صباح، وإن توانيت عن تنظيفه تحوّل الأطفال إلى كائناتٍ خارجةٍ من كهف. باختصار هو عبءٌ آخر يضاف إلى أعبائي الكثيرة".

ولعلّ هذا هو آخر هموم كثيرٍ من السيدات اللواتي أسعفهنّ ما لديهنّ من وعيٍ ليرين في استمرار التلوّث كارثةً بيئيةً رهيبة. السيدة مي شاهين، مهندسةٌ زراعية، ترى أنه ليس من الغريب أن نصل إلى هذه الدرجة من التلوّث بعد عامين من التكرير العشوائي المجنون لمادة النفط الخام، ولكن الغريب، على حد تعبيرها: "أن لا تجد أي توجّهٍ لدى أيّة جهةٍ من الجهات من أجل دراسة هذه الظاهرة ومعرفة مدى التدهور الحاصل في المنطقة. مجموعة مقالاتٍ على مستوى المحافظة وفتاوى من بعض رجال الدين؛ هل هذا كلّ ما يمكن أن يقدّم أمام ظاهرةٍ يمكن أن تؤدّي إلى موتٍ بالجملة بعد وقتٍ قصير؟! كان الأجدر بالجهات المسؤولة الآن، أو التي تعتبر نفسها كذلك، أن تبادر إلى إنشاء مركز أبحاثٍ ولو بإمكانياتٍ مبدئيّةٍ من أجل دراسة هذه القضية، وبذل مجهودٍ حقيقيٍّ في سبيل معالجة آثارها البيئية التي تتفاقم وتعاني منها المرأة بصورةٍ خاصّة".
ومن البديهـــــيّ إذاً أن المرأة في أماكن تكرير النفط هي على تماسٍّ مباشرٍ مع آثاره مرتين؛ مرةً حين تستنشقه ومرةً حين تحاول محو آثاره عن أجساد أبنائها وعن أرضية وأثاث المنزل. بالإضافة إلى الحمل والإنجاب وتأثير ذلك على صحتها وصحة جنينها، الأمر الذي لم تنشر دراسةٌ وافيةٌ حوله حتى الآن، ولم تقم على المستوى الشعبيّ أيّة حملةٍ للتنبيه إلى أخطاره. وهنا تشير السيدة مي إلى ظاهرةٍ خطيرةٍ مرتبطة بالتلوث: "لا بدّ من التنويه، أثناء الحديث عن تكرير النفط، إلى أن عدد النساء اللواتي يتعاملن مع هذه المادة بشكلٍ مباشرٍ في ازدياد. فلم يعد التكرير حكراً على الرجال، إذ دفع العوز ببعض النساء إلى العمل في التكرير أو في بيع مشتقاته. وهذه ظاهرةٌ خطيرةٌ جداً، وآثارها على المرأة وأسرتها كارثية".

 

كلّ حديثٍ خارج سعر الكاز لا قيمة له

وفي زحمة هؤلاء النسوة المعنيّات بآثار التكرير تجد نساءً لا يعتبرن التلوّث ظاهرةً تسترعي الانتباه. فالسيدة أم ضياء، التي تقف على الطريق العام بين دير الزور والبصيرة، لتشتري من بسطةٍ عليها العشرات من علب الكولا والبقين المملوءة بمشتقات النفط؛ لا ترى في التكرير إلا السعر الذي تحصل به على ليترٍ من الكاز أو البنزين: "ماذا يهمني من التكرير سوى ارتفاع أو انخفاض سعر مشتقات النفط، كالكاز الذي أطبخ به مثلاً؟ كلّ ما عدا ذلك ليست له قيمة. التنظيف أمرٌ اعتدنا عليه مع التلوّث وبدونه. أما عن الآثار الصحية والأمراض فهذه من عند الله مقدّرةٌ ومكتوبة، سواءً أكان عندنا تلوثٌ أم لا. فمن كتب له "أن يموت بهذاك المرض سيموت. ومن كتب له الله أن يعيش فسيعيش حتى لو كان غارقاً في النفط حتى أذنيه".