كان الموس الكبّاس أبو سبع طقّات في مدينة دير الزور - كما في كل المدن - ظاهرةً مألوفةً جداً؛ لكنه حين يترافق مع الزعرنة (الشليتية) قد يجلب الكثير من المشاكل التي قد تصل إلى القتل أحياناً.
لا تقتصر الزعرنة على حمل الموس، فهو منتشرٌ بشكلٍ كبير، ولكنها تتعدّى ذلك إلى فتحه بطريقةٍ استعراضيةٍ سريعة، والمزاح به، وتنظيف الأظافر بنصله، والحرص على شحذه ليصير (يذبح الجمل!). وقد يصل الأمر بصاحبه إلى تشطيب نفسه به، أمارةً على الجرأة، وعدم الخوف من استعماله، ودليلاً قاطعاً أن المعنيّ (يشتري الشرّ بثيابه). وفي بعض الحالات قد يحمل بدل الموس أنواعاً أخرى من السلاح الأبيض، كالشنتيانة.
ويرجع البعض حمل الموس إلى أسبابٍ اجتماعيةٍ واقتصادية، كالجهل والتخلف والبطالة، ولكن حمل الكثير من المتعلمين وميسوري الحال له يضعف هذا التفسير. كما أن البعض الآخر يرجعه إلى القمع الوحشيّ الذي عاناه الناس، مما دفع بهم لا شعورياً إلى التعويض عن كرامةٍ مهدورةٍ بحمل السلاح، للإحساس بالأمان الوهميّ؛ إضافةً إلى البيئة الاجتماعية والطبيعية القاسية.
زعران الثورة؟!
لقد استقبل الكثير من السوريين الثورة بنفس العقلية التي ألفوها تحت ظلّ النظام الاستبداديّ. ولا تشكل الأشهر السلميّة الأولى من الثورة إلا مرحلةً ذهبية، انقلبت فيها العقلية القديمة، وتخلخل الركود الاجتماعي، وتغنّى الناس باختفاء الشجار والمشاكل. وذلك ما يتحسّر عليه الناشطون اليوم، بعد النكوص العامّ الذي جعل الكثير من الثائرين يتقمّصون دور المستبدّ، خاصةً بعد تحرير أجزاء واسعةٍ من الأراضي السورية. وبسبب عودة الآفات الاجتماعية، مضافاً إليها العامل الاقتصاديّ والآثار النفسية للحرب، عاد الزعران إلى الظهور، ولكن هذه المرّة مع سلاحٍ ناريٍّ يشمل المسدس والكلاشنكوف.
فقد تصادف في الماضي أحد الزعران يحاول المزاح على طريقته، فيهوي بالموس على كتفك، ويمسك بإصبعيه طرف قميصك، ويسحبه بسرعة، ليوهمك أنه تمزق. أما الآن فقد أصبح مزاح مثل هؤلاء ثقيلاً، إذ حلّ الرصاص مكان الموس. فترى بعضهم يفتح نار مسدسه على أصدقائه للتسلية وإثارة الضحك،
كما يكثر الحديث في المدينة عن الرصاص الطائش الذي يثير هلع المدنيين، لكن مقاتلين من الجيش الحرّ يؤكدون أنه ليس رصاصاً طائشاً أو سواقط، بل هو بفعل فاعل. "هناك قنّاصون من الجيش الحرّ يتسلّون بإخافة المدنيين"، يقول أبو حسن من إحدى الكتائب. "تمرّ أوقاتٌ طويلةٌ ليس لديهم عملٌ على الجبهات. ولإضاعة الوقت يفتحون النار فوق رؤوس المارّة لدفعهم إلى الركض".
ويشكّل الزعران تحدياً حقيقياً أمام المنظمات والهيئات المحلية، إذ إن موقفهم يبدأ بالسلبية تجاهها، وقد لا يقف عند عرقلة عملها. وهم ينطلقون بتصرفاتهم من عقلية تحصيل الحقوق بالقوة و(القوي يأكل لحم مستوي)، حتى إذا كانت هذه الحقوق متخيلةً وغير حقيقية.
فحتى المجلس المحليّ يعاني الأمرّين من الزعرنة. يقول أحد أعضائه: "آخر اعتداءٍ وقع علينا حينما كنت أشرف على توزيع حصصٍ غذائيةٍ للعوائل في حي الحميدية. وقد جاء (أحدهم) وهو يحمل مسدساً، وطالب بحصةٍ غذائية. وحين امتنعنا عن إعطائه، إذ لم يكن من المستحقين، راح يشتمنا، ثم أطلق رصاصتين فوق رأسي. ولم يتدخل عناصر الحماية المفروزين من الكتيبة الأمنية. وأنا، بحكم غضبي وغريزياً، حاولت أن أصل إليه وأضربه بيدي الفارغة، ولكن وقف الناس (الحواجيز) بيني وبينه. ورغم انزعاجي كلما تذكرت الموقف، إلا أنني أحمد الله أن المشكلة لم تكبر أكثر من ذلك". ويتابع قائلاً: "أما السباب والتعريض والتوعّد والاتهام فمسائل اعتدنا عليها يومياً، ولا نلقي لها بالاً".
يقول قاسم، المقاتل في حي الجبيلة: "من المستحيل أن يكون مثل هؤلاء من الجيش الحرّ، حتى إن كانوا شكلياً في كتيبةٍ ما. فعناصر الجيش الحرّ الذين حملوا السلاح دفاعاً عن المدنيين، لا يعتدون عليهم بهذا الشكل".
والسؤال الآن هل سيقف المجتمع الأهليّ، الذي كان وما يزال يحلّ الكثير من مشاكله دون اللجوء لأية سلطةٍ كانت سوى سلطة الشعور الدينيّ والوجاهة والسنّ والقرابة والامتداد العائلي والمونة، وأضافت الحرب إلى حياته اليوميّة سلطة السلاح، وفي ظل الفوضى العارمة؛ عاجزاً أمام هؤلاء الزعران؟ خاصةً بعد أن أصبح السلاح الأبيض من الماضي الجميل، وبعد أن تحوّل الموس الكبّاس إلى حمالةٍ للمفاتيح عند الكثير من حامليه السابقين، وبعد عجز الهيئات عن القيام بدورها الفعليّ تجاه هذه الظاهرة؟