لا تقُلْ داعش!
على الأرجح، كان أوّل من أطلق اسم (داعش) ناشطٌ من تلّ أبيض، اعتاد الاختصارات في الكتب السياسية، وعانى من طول جملة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وقتها، فجمع الأحرف الأولى من هذه الكلمات فتولّد منها هذا الاختصار. ويبدو أن الرجل وصحبه استطرفوا هذا الكائن اللغويّ الغريب الجرس والسلس لفظاً، والذي بدا شديد المناسبة لموضوعه بطريقةٍ مدهشةٍ.
وصل الاسم إلى أسماع «الدواعش» فتبيّنوا فيه صورةً لا يحبونها عن أنفسهم؛ صورة مسخٍ أو عظاءةٍ مثلاً، وربما مخلوقاً برمائياً متقافزاً. المهم أنه بدا لهم نقيضاً تامّ الانتقاص لصورة المهابة والرعب التي يريدون أن يتبناها الإعلام وتسكن في قلوب الناس عن «الدولة»، فحاربوا هذا الاسم بطريقةٍ مرَضيةٍ ومضحكة. منعوا تداوله في الأراضي التي وقعت تحت سيطرتهم، وعدّوه أمارةً فارقةً على معارضة قائله لهم، ولم تنقطع الروايات عن تعرّض من يستخدمه لسجنٍ مؤقتٍ لديهم. وبذلك كرّسوا محتوىً سلبياً تجاههم في اللفظة التي لم تكن أكثر من اختصارٍ، عند ولادتها.
ولكنهم ليسوا موضوعنا على كلّ حال، فليت كلّ غرائبهم تقف عند حدود الألفاظ ودلالات اللغة. المشكلة فيمن لا زال يبدي «تفهماً» منا لداعش ويراعي حساسياتها المزعومة، ويعدّ استخدام هذه الكلمة نوعاً من التنابز بالألقاب الذي نهى عنه القرآن الكريم!
نعم... يقتل أبناء التنظيم الناس لأوهى شبهةٍ، يهجّرون جماعاتٍ بأكملها من بلداتها وقراها، قد يقتلون كلّ رجالها وقد يسبون كلّ نسائها، يتفنّنون في الذبح والحرق والصلب والإغراق والتمثيل، يعيدون الناس إلى عهد المخبرين والتقارير بعد أن تنشّقوا الحرّية والكرامة زمناً، يلاحقون الثوّار والمقاتلين ضد نظام بشار الأسد ويعدمونهم، يرسلون المفخخات إلى مقرّات الكتائب والألوية، يُعلنون أن قتال الجيش الحرّ والكتائب الإسلامية أولى عندهم من قتال النظام، بل لقد أفتوا أخيراً بأن زوجات قيادات وأفراد الفصائل المقاتلة طوالق، وأن بقاءهنّ في بيوت رجالهنّ يجعل منهنّ زانيات... نعم؛ يفعلون كلّ هذا ولا ينكرونه، بل يتفاخرون به في الإصدارات المتتالية، ولكنهم «اجتهدوا فأخطأوا» عند أخيهم الذي يلتمس لهم الأعذار ويدعو لهم بالهداية وينبّهك متألماً: «لا تقُلْ داعش!»