- الرئيسية
- مقالات
- ترجمة
أقدار سجينات سوريا السابقات
ليزي بورتر
موقع newsdeeply
22 / كانون الأول
ترجمة مأمون حلبي
تروي النسوة اللواتي احتُجزن في السجون السورية عن انتهاكاتٍ نفسيةٍ واعتداءاتٍ جنسيةٍ وحالات تعذيب. لكن بالنسبة إلى كثيراتٍ منهنّ فإن المعاناة العاطفية والجسدية التي يعشنها بعد إطلاق سراحهنّ هي أسوأ.
عندما رفضت لونا وطفة الكشف عن أيّ معلوماتٍ للمحققين أخذوا ابنها، 17عاماً، وهددوا بتعذيبه. تقول: «وضعوا يديه وراء ظهره وقميصه فوق رأسه واقتادوه». وطفة، البالغة من العمر 35 عاماً حالياً، كانت طالبة حقوقٍ عندما اندلعت الثورة الشعبية في سوريا عام 2011. عندما شهِدت قوات الأسد تطلق النار على الناس وتضرب المحتجّين قرّرت أن تكرّس نفسها لتوثيق ما كانت تشاهده. في كانون الثاني 2014 اعتقلها رجال الشرطة من أحد شوارع دمشق، واصطحبوها إلى منزلها وطلبوا حاسوبها واعتقلوا ابنها مهدّدين إياه أيضاً. تقول: «حاولت أن أقول إنهم لا يملكون الحق في أخذه. نظر الشرطي إليّ وضحك مجيباً: «أنا القانون، وأستطيع أن أفعل ما أشاء».
كانت منى محمد عبود، 29 عاماً، معلمةً في بداية الثورة، وخصماً صريحاً وعنيداً للنظام. اعتقلتها أجهزة الأمن مرّتين. تقول إنها، أثناء مدّة اعتقالٍ دامت 63 يوماً، عام 2014، كانت عرضةً للتعذيب، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والضرب والتجويع، وما تزال تعاني آلاماً جسدية من آثار التعذيب. «لم يكن ثمة عيشٌ في المعتقل. مجرّد جحيمٍ وجوع. قوّات الأمن لا تحاول قتلك. إنهم يريدون إبقاءك حياً، فقط حياً، لا أكثر».
لونا ومنى غيضٌ من فيضٍ من اللواتي اعتقلهنّ النظام في سوريا منذ بداية الثورة. لا توجد أيّ أرقامٍ رسميةٍ حول عدد النسوة اللواتي احتُجزن في السجون الحكومية، لكن تقريراً صدر في تشرين الثاني الماضي عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أشار إلى أن أكثر من 8400 أنثى، بينهنّ 300 فتاة، موجوداتٌ حالياً في سجون النظام، وحوالي 5000 أنثى أُبلغ عن وجودهنّ لدى مجموعاتٍ متشدّدة. كثيراتٌ من المحتجَزات يواجهن الوحشية والعنف الجنسيّ، لكن الصراعات التي يواجهنها بعد إطلاق سراحهنّ -الإقصاء والعار والعلاقات المحطمة ومسائل صحية- قد يكون التأقلم معها أصعب من التأقلم مع الاحتجاز.
عندما كانت لونا في سجن الخطيب في دمشق ضُربت في إحدى المرّات بقسوةٍ شديدةٍ إلى درجة أنها ظلت ثلاثة أيامٍ عاجزةً عن المشي. لم تغتصب. لكنها كانت، ونسوةٍ أخريات، هدفاً للتحرش الجنسيّ. وتقول منى إن مدير سجن عدرا المركزيّ كان يقول للمعتقلة إنه يستطيع تأمين طعامٍ أفضل وإيصال رسائل إلى أهلها إن نامت معه.
لكن لدى إطلاق سراحهنّ اكتشفت كلٌّ من لونا ومنى أن بعض الأمور أسوأ من أهوال الاعتقال. جزئياً، بسبب الاعتقاد الثابت أن السجينات قد اغتصبن فإن كثيراتٍ منهنّ تبتعد عنهنّ الحلقة الصداقية والأسرية حالما يخرجن من السجن.
يقول صخر إدريس، من مجموعة العمل من أجل معتقلات سوريا، إن فريقه كثيراً ما يلتقي سجيناتٍ سابقاتٍ يعانين الرفض الاجتماعيّ وانهيار العلاقات بعد إطلاق سراحهنّ. «كثيراتٌ يطلقهنّ أزواجهنّ بعد إطلاق سراحهنّ، أو يزوَّجن قسراً لشخص لا يرِدنه، أو، كردّة فعلٍ على المجتمع، يخلعن حجابهنّ ويسافرن إلى أوروبا بعيداتٍ عن أمهاتهنّ وآبائهنّ ومجتمعاتهنّ». تقول لونا: «يشعر المرء أن النظام لم يأخذ أيّ شيءٍ منه، لكنهم أخذوا روحه. أكثر ما يؤلمني هو أنني بعد إطلاق سراحي ومشاهدة أطفالي لم أشعر بأيّ شعور! أسوأ ما في الاعتقال هو أنهم أخذوا مشاعري». توصلت سيما نصار، مؤلفة تقريرٍ حول هذا الموضوع، إلى أن اعتقال النسوة في سوريا يسهم في تفكك المجتمع في البلاد وفي الهجرة القسرية.
هناك تصميمٌ بين المعتقلات السابقات على إيجاد بصيص ضوءٍ في الفصول المعتمة من ماضيهن. لونا ومنى كلتاهما تعملان على التخفيف من الوصمة التي تحيط باللواتي اعتقلن. تقول منى: «بالنسبة إليّ، الهدف الأكبر هو عدم خيانة صديقاتي في سجن عدرا».
في تشرين الثاني الماضي تلقت لونا أخباراً تفيد بأنه سيُسمح لأولادها بالانضمام إليها في ألمانيا. تقول في رسالةٍ مؤخراً عبر الواتساب: «إنهم هنا. كل شيءٍ على ما يرام. أستطيع أن أرتاح الآن بشكلٍ أفضل».