لم يكن قائد حركة أحرار الشام يعلم بما ينتظره بعد أيامٍ، عندما نصحه صديقٌ مقرّبٌ للحركة: "شيخ أبو عبد الله؛ لا بدّ أن تعدّوا الصفّ الثاني ولا تقتصروا على الأوّل... فأجابه مبتسماً: لا تقلق؛ نحن نعمل على الصفّ الثالث".
نشأة الحركة
في مطلع 2012 بدأ حسّان عبود، المعروف بـ"أبو عبد الله الحموي"، ابن قرية الشريعة في الغاب بريف حماة؛ تشكيل كتيبة الخطّاب، منتقياً عناصرها من رفاق سجنه في صيدنايا، مثل أبو أيمن رام حمدان، الذي كان يتمتع بمكانةٍ هامةٍ في الفرع العراقيّ لتنظيم القاعدة، وأبو الخير طعوم، الذراع الأيمن للحمويّ، والذي صار نائباً له فيما بعد. كما فتح باب الانتساب إلى الكتيبة أمام بعض أبناء قريته والقرى المجاورة من الشبان ذوي التوجهات السلفية، إضافةً إلى أفرادٍ من عائلته. في بدايتها، كانت الكتيبة منغلقةً نوعاً ما، تعتمد فقط على عناصر ذوي ميولٍ جهاديةٍ بالمفهوم السلفيّ. ركزت الكتيبة على العمليات الأمنية والعسكرية الخاصّة، يساعدها على ذلك قرب معقلها من الطريق المعروف بطريق الموت، الواصل بين إدلب و حماة. وأدّت نجاحاتها إلى صعود نجمها بين التشكيلات الناشئة في ذلك الوقت، مما جذب جهاديين جدداً إليها، ولفت انتباه داعمين مهمّين. لتتحوّل، وبعد أشهرٍ قليلةٍ، إلى لواء عمر بن الخطاب، والذي أعلن في بيان تأسيسه تبعيته لكتائب أحرار الشام، غير المعروفة من قبل. وخلال الأشهر الستة الأولى من عمر هذا التشكيل النامي تمكن الحمويّ ورفاقه من استقطاب العشرات من الشخصيات الجهادية من غير السوريين، حطّوا رحالهم أولاً في "أحرار الشام"، قبل أن تنفتح، وبشكلٍ جزئيٍّ، على مجتمع الثورة السورية والجيش الحرّ، ابتداءً من منتصف 2012، وبتأثيرٍ من أبو خالد السوريّ، ذي التاريخ الجهاديّ الطويل، والعضو الكبير الجديد في الأحرار. وقد نفّر هذا الانفتاح بعض مهاجري الأحرار المهمّين، مثل أبو عبد العزيز القطريّ، الذي انفصل مؤسّساً جند الأقصى، التي تركزت عملياتها في ريف حماة. كما غادر الحركة أيضاً السعوديّ المعروف بـ"صقر الجهاد"، قائد كتيبة صقور العز، التي تتركز عملياتها في ريف اللاذقية السنّي. وفي شباط من عام 2013، وبعد السيطرة على مستودعات السلاح في "خان طومان" بحلب، توحدت كلٌّ من حركة الفجر وكتائب الإيمان ولواء رايات النصر-جميع قادة هذه التشكيلات من خريجي سجن صيدنايا- إلى جانب كتائب أحرار الشام في جسمٍ اندماجيٍّ واحدٍ هو حركة أحرار الشام.
الاقتتال مع تنظيم الدولة نقطة تحوّلٍ لدى الأحرار
في الربع الأخير من العام الفائت، قام تنظيم "الدولة الإسلامية" باعتداءاتٍ متفرقةٍ على عناصر وشخصياتٍ من حركة أحرار الشام. ولم تخفف مناظرات أبو عبد الملك الشرعيّ من طرف الحركة مع قضاة "الدولة" في ريف إدلب من حدّة الاحتقان بين الطرفين. لتندلع الحرب في الأيام الأولى من العام الحالي، وتهزم الحركة في حصيلتها هزيمةً شبه كاملة، وخاصةً في محافظة الرقة، مما أضعف هيبتها في عيون الكثيرين. ويعزو بعض المطلعين على شؤون الحركة تقهقرها أمام تنظيم الدولة إلى ضعف الإعداد العقائديّ بما يخصّ مقاتلته. إذ كان شرعيو الحركة يحضّون منتسبيها، ولا سيما في معسكرات التدريب، على احترام "أخوّة المنهج". مما أدّى إلى مزيدٍ من التخبط في مواجهات الحركة مع التنظيم، الذي كان قد حسم أمره النفسيّ مع الحركة بتصنيف مقاتليها في خانة المرتدّين. وبعد حرب "الدولة" اختفت "أخوّة المنهج" من برنامج الشرعيين، ليحلّ محلها "واجب قتال الخوارج"، وتصبح الحركة -بعد هذا التطور النوعيّ- أكثر جرأةً في التحلل شيئاً فشيئاً من أدبيات المجتمع الجهاديّ. تحللٌ انتهى بتوقيع الأحرار على ميثاق الشرف الثوريّ، ودفع بالحركة مسافاتٍ بعيداً عن الصبغة الشمولية للحركات الجهادية. ويبدو أن الحركة، وتحت دواعي المصلحة والتكيّف العاقل مع الواقع، كانت ستخطو خطواتٍ أخرى في هذا الاتجاه لولا أن وقع ذلك الحادث العاصف، حين أودى تفجيرٌ غامضٌ بحياة 36 من قيادات الصف الأوّل والثاني فيها. وفي رأينا، لا يبدو أن حظوظ الحركة في الصمود بعد هذه الحادثة كبيرة.