صدر هذا الكتاب عن ديوان التعليم في تنظيم الدولة الإسلامية. وقد كُرِّس "لتطوير المعلمين والمعلمات"، كما جاء على غلافه. وبخلاف كتيبات التنظيم ومطوّياته الأخرى، التي تتناول جوانب جزئيةً، اتسم الكتاب بعرضٍ شاملٍ لأفكار التنظيم.
على طريقة المؤرخين المسلمين يتناول الكتاب التاريخ منذ بدء الخليقة، مروراً بعهد النبوّة، وصولاً إلى عصرنا الحاليّ، مركّزاً على القرن الفائت منذ انهيار الدولة العثمانية. ولدى عرض التاريخ الحديث للدول العربية والإسلامية، الذي يأخذ حيّزاً كبيراً من الكتاب، يبدأ الحديث بالعراق ثم سوريا وتليهما أقطار الوطن العربيّ. ويمرّ العرض بأهم المحطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفيها يستعمل اللغة الحديثة، فنقرأ: "تطوّر الحركة الوطنية" و"التيار العربيّ التحرريّ" و"اضطهاد صدام حسين للشيعة"، إلى جانب "الأمم المتحدة وتدويل القدس" و"انتصار الجيوش العربية في حرب تشرين". كما تنتشر المصطلحات المترجمة؛ كالطبقات المثقفة، وحياة المجتمع السياسية، وصراع البقاء، والطبقة العليا والدنيا والوسطى، والنسيج العرقيّ، وحقوق الإنسان (عند الكلام على الأقليات المسلمة المضطهدة في بعض الدول الآسيوية). وتظهر في العرض، بين حينٍ وآخر، عباراتٌ وعظيةٌ واتهاميةٌ وساخرة، بالإضافة إلى الكثير من الإحصائيات والتواريخ الخاطئة، بما في ذلك تواريخ الأحداث القريبة؛ فحافظ الأسد -حسب الكتاب- حكم سوريا من 1970 إلى 1998، وصدام حسين -الذي يحسب له الكتاب أنه أقام "دولةً حديثةً ومتقدمةً وجيشاً قوياً مجهزاً"- تسلم الحكم 1968. كما أن دولتي الصومال وموريتانيا لا تجدان لهما مكاناً بين الدول العربية!
ثم ينتقل الكتاب من الدول إلى الحركات الإسلامية؛ كالإخوان المسلمين وفرعها حماس، والجماعة الإسلامية في الجزائر، وغيرها. فيعرض تاريخها ويبيّن رأيه فيها، مسلطاً الضوء على "انحرافاتها". ويخصّص الكتاب، الذي يقع في 224 صفحة، 11 صفحةً للكلام على جماعة الإخوان المسلمين، و13 للجماعة الإسلامية. وكان قد خصّص 16 صفحةً للسعودية، بينما عرض تاريخ الأنبياء في 10 صفحات، وعهد النبوة في 14.
بالوصول إلى نهاية الكتاب تظهر فرضية التنظيم عن انهيار الغرب وعودة الحضارة الإسلامية، بالاستناد إلى أحاديث نبوية، وفكرة ابن خلدون عن أعمار الدول، وأرنولد توينبي عن تداول الحضارة بين الشرق والغرب، للوصول إلى أن ظهور "الدولة الإسلامية" هو أوّل بشائر عودة هذه الحضارة. والجدير بالملاحظة أن الكتاب يختصر بالغرب جميع "المشركين" بحسب تصنيفه، كما أنه يعبّر بالشرق عن المؤمنين به والذين "يحملون مورّثات الصلاح".
رغم أن "مبادئ الاجتماع" لدى التنظيم، و"رؤيته السياسية"، غير مطروحتين على نحوٍ منظّمٍ في الكتاب، بسبب الاستطراد في العبر، لكن ليس من العسير تجميعهما من استشهادات التنظيم خاصّةً بسيد قطب. فالكتاب يقسم البشرية إلى "مؤمنين ومشركين، يستحيل أن يتعايشوا أو يعيشوا دون خوض صراعٍ أبديٍّ بين الحقّ والباطل نابعٍ من الصراع بين الخير والشرّ"، "فإما أن يذوب أهل الحق ويتركوا أصل دينهم ويندمجوا مع أهل الكفر، وإما أن يذوب أهل الكفر ويدخلوا في دين الله أو يرضخوا لأهله". كما أن عبادة الله "لا تتحقق في جميع مجالات الحياة إلا بإقامة دولةٍ إسلامية"، "تجتمع تحت رايتها الكلمة". وإذا كانت الجماعات الأخرى -المقصود القاعدة- "ركّزت على النكاية في الأعداء واستنزافهم فقط"، فإنه "لا بدّ لأهل الحقّ من بيئةٍ ومكانٍ يجتمعون فيه على دعوة الحقّ والعمل به". هذه البيئة هي "أرض الخلافة التي يجب أن يهاجر إليها أهل الحق ليحققوا معاني العبودية" والولاء والبراء، وهما "شرط إيمان المؤمنين"، والجهاد الذي هو "فرض عينٍ على أمة الإسلام". وهذه الدولة وريثة دولة الخلافة بعد مقتل عثمان، لأن الدولة الأموية وما بعدها قائمةٌ على القهر والتغلب. ومنها "منطلق الجحافل التي يزيل الله على يديها ظلمة الكفر وحومات الردة"، و"يبسط حكمه وشرعه بين العباد". وقبل ذلك ستحارب "الشيعة والمتصوّفة والعلمانيين والديمقراطيين والبعثية والاشتراكية... والحركات الإسلامية المنحرفة، تحت قاعدة "تقسيم الأعداء والتركيز على العدوّ الأكبر".
لم يستطع الكتاب استلهام الكتب الحديثة رغم أنه استعار مصطلحاتها وأساليبها، كما لم يستطع تقليد الكتب القديمة بالمحافظة على تقاليدها في إسناد الرواية. وبالنظر إلى حصر توزيعه على "نخبة المعلمين" يمثل الكتاب أقصى ما يمكن أن يقدّمه التنظيم لرعاياه. وبالتالي فإنه يعدّ، من هذا الوجه، تفنيداً لافتراض البعض امتلاك التنظيم "لبنوك عقولٍ متقدّمةٍ في جميع المجالات".