من موقع "المندسة السورية"
نحن الآن في عام 2020... دبيّ ستستضيف معرض إكسبو في الشهر القادم، بعد أن سمعنا عنه لأوّل مرّة ـ دون أن نفهم ما هو ـ حينما كانت هناك ثورةٌ في سوريا، وكان الناشطون الفيسبوكيون ـ عندما كان الفيسبوك وسيلة تواصل ـ يشبهون الأخبار العاجلة، سريعين وثقيلي ظلّ.
يصادف هذا اليوم يوم عطلةٍ رسميةٍ، فهو ذكرى انتصارات معركة السادس من سرمين. وسيلقي الرئيس كلمةً في هذه المناسبة، يحيّي فيها رجال القوات المسلحة، الذين قال عنهم: «انا ابن البوط العسكريّ»، في دلالةٍ واضحةٍ على أهميتهم وأبوّتهم لسيادته ولشبيبة الوطن الجديد.
طلاب المدارس منشغلون بالتحضير لهده المناسبة الضخمة. فجارنا أحضر لابنه ذقناً صناعيةً وصلعةً حديثةً مستوردة، ليتدرب على لبسهما في الاحتفال المدرسي مثل بقية زملائه. فالأب ضابطٌ برتبة شبّيح ركن، كانت له صولاتٌ وجولات، فقد إثرها ساقيه وإصبع يده الوسطى ونصف رأسه.
من النافدة أشاهد أطفال الحارة يلعبون لعبةً لطيفةً للغاية؛ يقفون صفوفاً، يرتدون صلعاتهم وذقونهم، ويحملون أسلحةً خشبيةً، ويردّدون: عهدنا.. أن نتصدى للتركيّة والقطريّة والسعوديّة، وأن نسحق أداتها المجرمة عصابة الفورة العميلة. ثم يهجمون على أطفال الحارة المجاورة، ليحصل الفريق الفائز في النهاية على علبة متّة، ومجسّماتٍ لبرّاداتٍ وغسّالاتٍ وأجهزةٍ منزليةٍ أخرى.
أبتسم للمشهد وأقول بيني وبين نفسي: لن تركع أمّةٌ تقودهـــا أسـماء الأخــرس.
أوف.. أتذكـــر أن هنـاك برنامجاً حوارياً شيقاً يجب أن أتابعه على قناة المعارضة الشريفة. أفتح بسرعةٍ لأجد الأستاذ هيثم منّاع يحاور الوزير جامع جامع جامع، وهو ابن الشهيد جامع جامع. تشدّني عبارة منّاع عندما قال: «.. يا سيدي المسؤولية تقع على عاتق السلطة والمعارضة»، فأسجّلها على ورقةٍ كي لا أنساها.
أغيّر المحطة، بعد انتهاء البرنامج، إلى قناة سقف الوطن، ليظهر لي مشهد الأمين العام المساعد للحزب، الدكتور طالب إبراهيم، وهو يفتتح المؤسسة العامة لحشو براميل التي إن تي. وطبعاً، وكما في كل الاحتفالات الرسميّة، يُعزف النشيد الوطني في الخلفية. أسمع منه العبارة الأخيرة بصوت فنان الشعب علي الديك: «... عيني ربّك سورية». يبدأ الجميع بالتصفيق، ويُقصّ الجنزير الحديدي، لترتفع الزغاريد، ويرقص الأمين العام متعرّقاً على لحن نشيد الحزب الجديد، الذي غنّاه وفيق حبيب في عام 2013، على ما أذكر:
اجرحلي قلبي ولا تداوي
ورشّ عليّ الكيماوي
بس لا تقلي وا حبيبي
إنك عاهجري ناوي
تجهش عيناي بالبكاء، ويخفق قلبي طرباً وتأثراً. أخرج إلى الشارع فأرى الجماهير منشغلةً بالأعياد الوطنية، لأجد أمامي رافعةً تحمل يافطةً لتعلّقها في أول حارتنا، كُتب عليها: (أختي بتطلع الساعة 3 بالليل في ظل السيد الرئيس)، ومقابلها يظهر مبنى وزارة جمع حرّاقات النفط الجميل، وقد كُسي بصورةٍ عملاقةٍ للسيد الرئيس، يبدو فيها واضعاً الكمامة، ومرتدياً الزيّ الجامعي، وهو عمامةٌ سوداء جذّابة ذُيّلت في أسفلها بجملة: ( طلاب كلية هندسة الدعس فدى صباط السيد الرئيس).
على باب المؤسسة الاستهلاكية يقف طابورٌ من المدنيين ببدلاتهم العسكرية النظيفة، يتجاذبون زوايا الحديث عن إنجازات كلٍّ منهم في الحرب الكونية. ثم ما لبث أن صفع أحد الواقفين نظيره صائحاً به: «مين رجّعك على حضن الوطن يا ناكر المعروف ميييين؟؟». يردّ الآخر، الذي تبيّن أنه جارٌ لي، وهو يحاول النهوض عن الأرض: «أنا مين رجّعني يا عرعوري وإلا أنتا؟؟». لم ينته الرجل من إكمال عبارته حتى وقفت سيارة لجانٍ شعبية، أحصيت 47 عنصراً نزلوا منها وأخذوا الرجل وهو ينتحب ويقول: «والله بالغلط طلعت معــــــي يا ســـــــــــــيدي... والله بالغـــــلط». فمـــــن المعلوم أن لفظ كلمة عرعوري جريمةٌ يعاقب عليها القانون. علمت لاحقـــاً أن جـــــاري حوكــــــم بتهـــــمة «مصالحـــــة أطــــراف معارضة»، وهــــي من أبشــــــع الجرائم والتهم.
استيقظت من كابوسي فزعاً... فتحـــــــت الفيســـــــبوك بسرعةٍ لأتأكد أن الثورة ما زالت مستمرّة، والشــــهداء ما زالوا يتساقطون، فرأيت صورةً أرسلها صديقٌ لا أحـــبه، وقــــد كتب فوقها: لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله.