منفعلاً، وبكثيرٍ من الزهو والتباهي، ظهر محمد علي البودي في المقطع الذي يصوّر شاباً ألقي القبض عليه كواحدٍ من المتهمين بالتفجيرات التي ضربت مدينتي جبلة وطرطوس. لكن، وخلال ساعاتٍ بعد أن حقق المقطع عدداً هائلاً من المشاهدات، تبيّن أن ذلك المتهم جنديٌّ حلبيٌّ في جيش الأسد، كان في إجازةٍ لزيارة أهله النازحين إلى جبلة، فانقلبت حملة الإطراء والإعجاب بالبودي إلى شتائم غاضبةٍ باعتباره نموذجاً على الفساد والفوضى والتشبيح غير الموجّه باتجاهه الصحيح. وعلى صفحته على الفيسبوك نشر البودي مدافعاً عن نفسه: «هاام لكل من يسيئ لي.... 1. انا دمي وروحي فدا سوريا الاسد 2. انا انقذت العسكري من الموت من يد 50 واحد كانو يضربوه من امام مشفى النور وسيعترف بذلك امام الكاميرا 3. انا سلمته باليد لمفرزة الجويه بجبله ترقبو الفيديو انا والعسكري بوجود مراسل الاخباريه السوريه وللعلم من بدأ بإثارة هذه الفتنه معروف وهو ابن مسؤول انبعص مني لاني تكفلت بانني استطيع ايقاف الفتنه بجبله واخذتها عهد على عاتقي واقسمت بذلك وكان الامر وهذا ما اذهله». وسوى منشورات الفيسبوك ظهر البودي، متحدياً من أذاعوا خبر اعتقاله، في مواكب تشييع بعض ضحايا التفجيرات، كما كان يفعل دوماً مع كلّ قتيلٍ لجيش الأسد من قريته البودي أو من القرى المجاورة. وزيادةً في إثبات إخلاصه وولائه أعلن أن الفرن الذي افتتحه في القرية سيوزّع الخبز مجاناً لذوي الشهداء لمدّة يومين. قبل الثورة كان البودي في واردٍ آخر، فقد بدأ رحلته أوائل التسعينات مع مكبّر صوتٍ ضخم، استعمله لإقامة حفلاتٍ واستعراضاتٍ في قريته لزجالين ومغنّين ومهرّجين ولاعبي خفة، قبل أن يتطوّر الأمر إلى مهرجانٍ سنويٍّ لاقى شهرةً واسعةً في الساحل. وتكيفاً مع الظروف التي أضرّت بمهنته بعد الثورة ابتكر البودي عملاً جديداً هو مرافقة مواكب قتلى جيش النظام بسيارته، مسخراً أجهزة صوت ملهى «الصياد» الذي يملكه في إلقاء كلمات رثاءٍ حماسيةٍ عن «الشهيد»، تتخللها أقوالٌ لحافظ الأسد، وأبيات شعرٍ شعبيّ، ومواويل حزينة أحياناً. وعندما يكون القتيل ذا شأنٍ أو برتبةٍ عاليةٍ يحرص البودي أن يصوّر لقاءً خاطفاً مع واحدٍ من عائلته. ورغم اتخاذه لقب «قائد الدفاع الوطني في ريف جبلة»، وحمله البنادق والمسدسات، لا يبدو الرجل شرساً أو شريراً كما ينبغي، بل مجرّد عابثٍ طموحٍ يحاول اغتنام كلّ فرصةٍ لتحقيق المزيد من الظهور، مثلما فعل بترشحه لعضوية مجلس الشعب، قبل أن ينسحب اعتراضاً على مؤامرةٍ مزعومةٍ حيكت ضده. مؤامرةٌ يقول البودي إنها مستمرّةٌ ولا تقتصر عليه، كما يحذّر على صفحته: «انتبهو هناك حملة على كل وطني من الطائفة من كبيرها إن كان الأستاذ رامي مخلوف إلى صغيرها ولو كنت أنا»!