ليس لعبد القادر قدورة، الرئيس السابق لمجلس الشعب، من يبكيه. فقد مات من غير ضجيجٍ، ودُفن بقليلٍ من الاهتمام، وبشكلياتٍ لن ترفع من مقام الرجل الذي باع روحه، ومنذ سنين كثيرةٍ، للشيطان، مقابل أن ينتفع، وبنوعي المنفعة المألوفة لأتباع الأسد، في المنصب والمال. وتصعب حتماً، على المتعاطفين مع الأموات، مهمة البحث في سيرة قدورة عن محاسن. ويصعب أيضاً، على هواة التنقيب في معطيات النشأة، أن يعثروا على عوامل خاصةٍ في نشأة قدورة - رغم الوفاة المبكرة لوالدته - تفسّر كيف عاش الرجل كمنافقٍ نموذجيٍّ طوال حياته. فعائلته المهاجرة من ليبيا لم تكن عائلةً منبوذةً في محيطها بحيّ باب سريجة الدمشقيّ، ولم يكن المغاربة يعانون من أيّ شكلٍ من أشكال التمييز، بل أصبح الجيل الثاني منهم جزءاً عضوياً من نسيج مجتمع دمشق. وفي نقيصةٍ مضافةٍ - فوق النقائص الطبيعية لمسؤولي النظام الأسديّ - يذكر عارفو قدورة أنه لم ينفع أحداً أيّة فائدةٍ إلا بمقابل، فهو مخلصٌ لحكمته الخاصة "خذ ما تستطيع ولا تعطي"، مما يجعل مسؤولين آخرين يبدون أمامه رجال خير.
رحل البعثيّ العتيق دون أن ينطق كلمة حقٍ، ولو نفاقاً، لثورة ستنتصر. بعد أن وقف مع الباطل أكثر من نصف قرنٍ، عاشه مجتهداً في خدمة الطغاة كعبد.