"حطّولنا عالأورينت" هو الطلب الذي يكرّّره أبو عمارة الأنصاريّ كلما زار أصدقاءه الذين يسمّيهم "علمانيين"، معتبراً مشاهدة الأورينت رسالةً تطمئن الأشخاص الذين يلتقيهم لأوّل مرّةٍ إلى أنه متحرّرٌ ومتسامحٌ إزاء خرق ممنوعات داعش. وهو العامل الرئيسيّ في الودّ الذي يبديه الأنصاريّ لقريبه وصديقه صاحب البيت الذي تحوّل إلى نادٍ للمدخنين السرّيين، حيث يمكنه أن يدخن و"يأركل" وأن يسمع الأغاني، العراقية منها على وجه الخصوص، مع دفعةٍ إضافيةٍ من التحرّر بالبحث عن لقطاتٍ فاضحةٍ في قنوات التلفزيون. ويمكنه أحياناً، في الأيام التي يكون فيها غاضباً من رؤسائه في التنظيم، أن ينتقدهم، وبالطريقة الوحيدة التي يعرفها ويحبّها وهي شتم أمهاتهم وأخواتهم. وفي كلّ زيارةٍ يتذكر قضيته الرئيسية مع والي البركة الذي أعاق لأشهرٍ حقه الطبيعيّ في الانتقال إلى ولاية الخير بعد إصابةٍ بليغةٍ في معارك الحسكة، وماطل، مرّةً بعد مرّةٍ، في وعوده بالموافقة على النقل، قبل أن يتهمه بأنه "متقاعس وجبان"، ليردّ أبو عمارة -حسب زعمه- على الوالي: "وانت كذاب"، في المواجهة التي أسفرت عن نتائج مختلفة: "سجنٌ لمدّة شهرين" و"صدمةٌ وصمتٌ وموافقة" و"ضربٌ مبرّحٌ بعقب البندقية قبل الطرد"، في كلّ مرّةٍ يتذكّر فيها الإصابة التي تجعله لا يستغني عن العكاز ولا يستطيع أن يجلس قبل أن يهيّئ مقعداً يراعي الصفائح المعدنية المثبتة على فخذه المحطّم "مثل الملح" كما يقول. وبالعكاز والفخذ المحطّم، وبورقةٍ رسميةٍ مزوّرة، نجح أبو عمارة في تفريغ نفسه في قسم التفخيخ، حيث لا يقوم بشيءٍ في المقرّ سوى شرب الشاي والوضوء كلّ حينٍ وآخر بانتظار صلوات الجماعة. ومساءً لا بدّ من الأنس بـ"العلمانيين" في شقة العزّاب التي يعتبرها جوّه الخاصّ الذي يتميّز به عن باقي الدواعش الذين يأخذون الأمر على محمل الجدّ، ولا يكسبون سوى عداوة الناس وكرههم.
في صفوف داعش ينتمي أبو عمارة، أو حناش، وهو اللقب الأوّل والمحبّب له، إلى النوع الذي يعدّ التنظيم مجرّد قطاعٍ عامٍّ يجب على المرء الانتساب إليه وسرقته بقدر ما يستطيع، والبيعةَ طلب وظيفةٍ إجبارياً وفاتحة سلسلةٍ لا تنتهي من الرواتب الشهرية المتلاحقة. الراتب هو الحقيقة الوحيدة التي يحترمها في عالم داعش، وما سوى ذلك وهمٌ وتصغير عقلٍ ونفاق.
في أيام الصفاء، حين لا يتغطرس مهاجرٌ عليه بشيءٍ من الأوامر الشاقة أو يعيق تحايله للانصراف باكراً، يكون حناش في مزاجٍ رائقٍ جداً. يتجاهل كلّ شيءٍ وينطلق في ثرثرةٍ مرحةٍ عن حبيباته في "العسكرية"، اللواتي كنّ يقعن دوماً في غرامه مع أوّل تصرف شهم يبدر منه أو أوّل ساعة إهمالٍ يفتعلها للإيقاع بهنّ. وقد يستطرد عن قصص الحب باستعراضاتٍ جانبيةٍ، مثل خبرته النادرة بسلالات الكلاب وصيد طيور الحرّ والتخييم لأسابيع في البرّية شتاءً وعلى ضفة الفرات في الصيف.