- الرئيسية
- الأرشيف
- جولة المدينة
السوريون في الإمارات: حياة قاسية ومعارك صامتة بين المعارضين وشبيحة الأسد
عدسة حسن | خاص عين المدينة
منذ بدء الثورة تدفق عدد كبير من العائلات السورية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تردي الأوضاع المعيشية في المدن السورية، وبسبب الضغوط الأمنية التي تعرضوا لها من كل الفئات العمرية وخصوصاً الشباب الذكور الجامعيين منهم وأصحاب الحرف، ولكن السبب الأهم يكمن في تهجير قسري غير معلن للعائلات السورية من مختلف المدن جرّاء العنف والعدائية التي يتعامل بها عناصر النظام وجيشه الميليشيوي ضد السوريين الذين رفضوا الركوع لصور بشار الأسد.
التواجد السوري في الإمارات ليس بجديد، فقد بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي،
فهي دولة خليجية يقصدها السوريون للعمل في المهن والحرف التقليدية والصناعية، ويقصدها رجال الأعمال للتجارة، وكذلك الأطباء السوريون والمهندسون وأصحاب الشهادات الجامعية. وأوضاعهم في هذا البلد الخليجي مستقرة وجيدة، إلا أن الوافدين الجدد بدأوا يتدفقون باستمرار وتزايد منذ بداية اندلاع الثورة السورية منتصف آذار عام 2011 وحتى الآن، ويقدر عدد الذين توافدوا إلى الإمارات وفقاً لأحد موظفي مكتب "ساتا" في دبي بـ (200 ألف سوري) معظمهم من العائلات التي يقوم أحد الأقارب بتقديم طلب "فيزا زيارة" لهم ومدتها 3 أشهر قابلة للتمديد.
وتوجد نسبة كبيرة من جيل الشباب (حملة الشهادات الجامعية) قدموا إلى الإمارات عن طريق تقديم "فيزا سياحية" عن طريق المكتب ذاته "ساتا" الحصري الذي عن طريقه يتم تقديم طلبات دخول الإمارات، وهذه الفيزا السياحية مدتها شهر واحد تحتاج إلى تمديد كل شهر ومدته مفتوحة الأجل، إلا أن المشكلة التي يواجهها هؤلاء السوريون هي دفع الرسوم العالية مقابل التمديد. ويؤكد المحامي "أبو أيهم" أنه في حال لم يقم الزائر السوري بتمديد زيارته ضمن التاريخ المحدد أو عدم دفع الرسوم فإنه يعتبر مخالفاً قانونياً ويتم ترحيله وعدم السماح له بدخول الإمارات لمدة معينة.
أكثر المشكلات التي يواجهها السوريون الزائرون "عائلياً وسياحياً" إلى الإمارات تكمن في إيجاد عمل يسد الرمق رغم سوق العمل الكبير والمفتوح في دولة نفطية وسياحة كبيرة. يقول "فارس، 27 عاماً": "أبحث عن فرصة عمل منذ أن قدمت إلى دبي في شباط الماضي، كي أستطيع أن أسدد رسوم تمديد الزيارة وتسديد إيجار الغرفة التي أسكنها، فالمصاريف هنا مرتفعة جداً. مصيري ومصير من يشبه وضعي الحالي مثل آلاف السوريين هنا هو على كف عفريت".
وتختلف حالة المهندس "مهند، 30 عاماً" عن "فارس"، فقد ضحك له القدر كما يقول ووجد عملاً في مكتب للاستشارات الهندسية، إلا أن العقبة الأساسية التي وقفت أمام انفراج وضعه المادي السيء كانت عدم حصوله على "الموافقة الأمنية لدولة الإمارات" التي تقدم بها المكتب الهندسي الذي وقع معه عقد العمل، وهذا يعني عدم استمراره في العمل أكثر من شهر وإلا سيتم مخالفة الشركة التي تشغله موظفاً دون "إقامة عمل" بمبلغ قدره 50 ألف درهم، وفقاً لقانون العمل الإماراتي.
كشفت الثورة السورية قدرة السوريين على التكيف مع أقسى الظروف في بلدان الاغتراب، وكشفت حجم الألم الذي يعانون منه والضغوط النفسية جرّاء شعورهم بالخذلان بسبب عدم تسهيل أمورهم في دولة الإمارات، ولكن المفارقة المؤلمة كما يقول كثيرون مقيمون في دبي والشارقة هي العيش الرغيد للمؤيدين لنظام الأسد وعدم صعوبة حصولهم على موافقات أمنية من أجل "الإقامة" ويجدون فرص عمل بسهولة، مقارنة مع أبناء جلدتهم الذين وقفوا في وجه قمع الأسد، ودفعوا ثمناً لذلك في غربتهم.
ويكثر تواجد بعض الفنانين السوريين وعائلات مقربة من الأسد مثل "دوبا" و"مخلوف" في دبي ويتجولون في المناطق الراقية فيها وهم يستمتعون بالثروة التي نهبوها من الشعب السوري طيلة أربعة عقود، يقول الطبيب "أحمد، 45 عاما": "ألمحهم وهم يلصقون صور الطاغية بشار الأسد على سياراتهم، مع الأغاني التشبيحية لمطرب الشبيحة الأول علي الديك.. وأرى بالمقابل رجالاً وشباباً يعيلون أسراً كاملة يبحثون عما يسد الرمق في مدن متحضرة من الطراز الرفيع لكنها قاسية إلى درجة كبيرة ولا ترحم من ليس لديه عمل كما هو حال السوريين الذين ضاقت بهم سبل العيش في بلدهم.ويقوم موظفو السفارة السورية بأبو ظبي والقنصلية السورية في دبي بأعمال تشبيحية وابتزاز السوريين الذي يثبت تأييدهم للثورة السورية. وبالرغم من التعليمات التي عممتها حكومة نظام الأسد للتخفيف من هذه العدائية ضد المغترب السوري من أجل تلميع صورة النظام، إلا أن ظاهرة التشبيح ما زالت مستمرة، وتظهر بشكل واضح من خلال عرقلة معاملات الزواج وتجديد جوازات السفر، وتأجيل الخدمة الإلزامية، إلا أن السوريين الذين يؤيدون الثورة لم يستسلموا لهذه الضغوط، ولعل بناء برج باسم "حمزة الخطيب" أيقونة الثورة السورية في الشارقة يبعث على الاطمئنان في قلوب الأسر السورية ويزرع في نفوسهم بعضاً من الأمل في غد مشرق لمد جسور العودة إلى وطن حر خال من آل الأسد.