- Home
- Articles
- Radar
هيئة تحرير الشام وقوننة ترهيب الصحفيين في إدلب
مر قبل أسبوعين اليوم العالمي لحرية الصحافة على مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في إدلب، دون تغير في واقع الترهيب بحق الصحفيين الذي تفرضه الهيئة عبر أذرعها، لكن بتعديلات شملت أدوات الترهيب، التي يأتي على رأسها "البطاقة الصحفية" و"التنسيق".
وقد أصدرت الهيئة في المناسبة عبر مكتب العلاقات العامة التابع لها، بياناً شرحت فيه بعبارات فضفاضة واقع العمل الصحفي في مناطق سيطرتها، حسب وجهة نظرها، التي عزت ما رأته "حرية عمل" إلى "توفير بيئة العمل المناسبة (للناشطين والإعلاميين) ووصولهم للمعلومة" من جملة أسباب أخرى تكلم عنها البيان، الذي يقصد ببيئة العمل تقييد العمل الصحفي بالبطاقات الصحفية التي تفرضها "حكومة الإنقاذ" على صحفيي ونشطاء المنطقة.
بدأت أولى الإجراءات لترتيب هذه الخطوة في شباط 2019، ولا تزال الإنقاذ حتى اللحظة تعمل على تطبيق الفكرة. وإذ تختلف الآراء داخل المنطقة حول الفكرة بحد ذاتها، بين مؤيد لها على اعتبار أنها وسيلة لتسهيل أعمال التصوير والحصول على "معلومات حكومية" لا سيما في مدينة إدلب التي تشهد قبضة أمنية مشددة من تحرير الشام، وبين معارض أو كاره لمحاولات التقييد التي تفرض من قبل سلطات الأمر الواقع: يتفق الجميع على أن البطاقة لا تحمي حاملها، كما أنها لا تعد "كرت بلانش" يسمح لأي كان بالتصوير في المنطقة دون إذن مسبق.
يقول محمد الأسمر وهو ناشط صحفي يقيم في مدينة إدلب لـ"عين المدينة" إن البطاقة الصحفية لها فوائد تعريفية بالشخص الذي يقوم بمهام ميدانية مثل التصوير، فـ"يكفي أن تبرز البطاقة حتى يتعاون معك الجميع بمن فيهم رجال الشرطة".
ويتابع بأن موضوع إنشاء رابط يتطلب معلومات عامة -وهو ما تفرضه الإنقاذ قبيل الحصول على البطاقة- أمر ضروري لفرز وتنظيم قرابة 1200 ناشط وصحفي في إدلب، حيث يطلق هذا اللقب على كل من يمارس أي عمل يتعلق بالإعلام، بدءاً من إعلاميي المنظمات الإنسانية وانتهاء بالصحفيين والمصورين المتعاقدين أو المتعاونين مع وسائل الإعلام الجماهيرية. كما يساهم هذا الأمر في الحد من بيع مواد إعلامية خام لوسائل إعلامية ووكالات مؤيدة للنظام السوري مثل "روسيا اليوم" وغيرها.
وضع اليد الحكومية على المواطن الصحفي
على أي حال، يحتاج الصحفي حامل البطاقة إلى "التنسيق" مع السلطات قبيل تصوير أي عمل، دون أن يكون واضحاً معنى مفهوم "التنسيق" المطاطي والمعروف للسوريين جيداً، وهذا يجعل من حمل البطاقة دون فائدة، في حال لم تتم الموافقة على التصوير.
يقول أحد نشطاء دمشق المهجرين في إدلب لـ“عين المدينة“: "يبدو أن حكومة الإنقاذ لا تمانع العمل الصحفي بالمجمل، لكنها تريد قوننته بما يتناسب مع تصوراتها". يعني بذلك أنها دخلت من باب التنظيم والتنسيق حتى تمتلك معلومات كافية عن إعلاميي الداخل، لاسيما وأن رابط التسجيل الذي يجب ملؤه، قبل الحصول على البطاقة، يتوسع في طرح الأسئلة بشكل يجعل أي صحفي أو مواطن صحفي مكشوفاً أمام السلطة.
يعترف الأسمر على الرغم من تأييده لهذه الخطوة، بأن البطاقة لا تحمي الصحفيين، لأن مكتب العمل الصحفي الذي يمنح البطاقة "شيء والقوة الأمنية شيء آخر، وإن كنا قد لمسنا تعاوناً من طرف الإنقاذ في حال تم اعتقال أي إعلامي.. على قدر الإمكان" حسب الأسمر.
سياسة خطوة - خطوة
على الرغم من صدور التعميم الذي أطلقته "المديرية العامة للإعلام" في حكومة الإنقاذ، بضرورة الحصول على البطاقة الصحفية في شباط 2019، إلا أن المديرية لا تزال تمنح البطاقات حتى اللحظة دون الانتهاء من تطبيق القرار، وهو ما تنتهجه الإنقاذ كسياسة عامة منذ تأسيسها.
فرض النظام تدريجياً، عبر اتباع سياسة النفس الطويل: خطوة - خطوة، تثير قلق بعض الصحفيين الذين فضلوا الحديث لـ“عين المدينة“ دون نشر أسمائهم، فـ"من يدري؟ ربما نصل إلى مرحلة نلجأ فيها للعمل الصحفي السري" يتحدث أحد هؤلاء، بينما يشير آخر إلى أنه بالفعل بات يخشى من "فرض سياسة أمر واقع على صحفيي المنطقة بحصر العمل في الداخل بإجراءات متسلسلة تبدأ بفرض بطاقة، واشتراط إذن للتصوير قبيل أي عمل صحفي. لا أحد يعلم إلى أين ينتهي بنا المطاف".
بينما يقلل البعض من خطورة الوضع لأن "خطوة منح البطاقات طبيعية، ولا تعد تقييداً للعمل الإعلامي، (كما) أي دولة بالعالم، وفي أي مكان يوجد تصريح تصوير"، أما بخصوص المعلومات الموسعة المطلوبة للتسجيل، فهي "ليست إجبارية"، كما يوضح البعض.
قانون الغاب
محاولة تنظيم العمل الصحفي من طرف الإنقاذ تقابله سياسة أمنية مشددة لا تزال هيئة تحرير الشام، وهي المدير الفعلي للمنطقة، تمارسها بحق إعلاميي إدلب. وقد سجلت مواقع إعلامية وصفحات محلية ناشطة اعتقالات طالت صحفيين ونشطاء بعد إصدار البيان، بينما سجلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقال "الهيئة" عشرات النشطاء الصحافيين على خلفية منشورات لهم تعارض سياستها، أو على خلفية مزاولة نشاطهم من دون الحصول على "إذن".
وفي ضوء معطيات الواقع، يظهر من يقبل بالبطاقة على اعتبارها تطبيقاً للقانون، لكن المشكلة حسب هؤلاء في مخالفة هذا القانون من قبل السلطة التي تعتقل صحفيين ونشطاء دون تهم واضحة أو محاكمة.
يقول أحد نشطاء إدلب لـ“عين المدينة“، "لا أحد يجادل في أهمية تشريع وتطبيق القوانين، لكن بشرط أن تكون عادلة وشاملة للطرفين: السلطة والمواطن، أما أن يمنح الصحفيون بطاقات ليكون قرار ممارسة عملهم بيد السلطة، ثم يحق احتجاز حتى حاملي البطاقات دون اللجوء للقضاء، أو حتى خضوع الصحفي لمحاكمة عادلة، مع غياب أي قانون خاص بالصحفيين.. فهذا كمن يمسك أذنه اليسرى باليد اليمنى".