نسترق الدخول إلى أراضينا كاللصوص .. مزارعو جبل الزاوية يحاولون جني محاصيلهم تحت القصف

إنقاذ ما يمكن إنقاذه من متعلقات بيت دمره القصف في جبل الزاوية (أ.ف.ب)

مع بدء موسم جني محصول التين والعنب لهذا العام، توجه المزارع الأربعيني أبو علي برفقة عائلته بعد حزم بعض الأمتعة من مكان نزوحه في مخيمات سرمدا إلى قريته كنصفرة في جبل الزاوية، آملاً أن يستطيع من خلال موسم هذا العام تحسين ظروفه الاقتصادية والمعيشية المزرية التي يمر بها في رحلة نزوحه الشاقة، إلا أن صواريخ وقذائف نظام الأسد قتلت كل آماله عندما راحت تنهال عليهم، مستهدفة المزارعين والآخرين بشكل مباشر في المنطقة، فلم يستطع جني سوى أقل من نصف المحصول وعاد أدراجه.

يقول أبو علي بحزن: "نجوت وعائلتي من موت محتم بأعجوبة، فقررت الاستغناء عن باقي المحصول والفرار بحياتي وحياة أبنائي".

حال أبو علي كحال الكثيرين من أبناء جبل الزاوية وسهل الغاب من ملاكي الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، الذين يضطرون إلى المخاطرة بأرواحهم تحت القصف لجني محاصيلهم الزراعية، نتيجة الحاجة الملحة لمردود تلك المحاصيل التي تشكل متنفساً اقتصادياً لهم في ظل تراجع الوضع المعيشي، وندرة فرص العمل وانتشار البطالة، وتدني أجور اليد العاملة، وما يصاحب كل ذلك من حالة نزوح مستمرة.

الناشط الإعلامي عبد الله العبسي رأى أن قوات النظام تتعمد تكثيف قصف الأراضي الزراعية بالتزامن مع مواسم قطاف الأشجار المثمرة وجني محاصيل الحقول الزراعية لمنع المدنيين من الوصول إليها ومحاربتهم بلقمة عيشهم، خاصة وأن أهالي تلك المناطق يعتمدون على الزراعة بشكل أساسي، وغالبية محاصيلهم تتركز ضمن الأراضي الزراعية في القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس مثل البارة وكفرعويد وبليون وكنصفرة والفطيرة وعين لاروز ومرعيان وشنان وغيرها، بالإضافة إلى منطقة جبل الأربعين القريبة من مدينة أريحا غرب المحافظة.

وأشار إلى أن طائرات الاستطلاع سواء التابعة للنظام أو روسيا أو إيران تحلق في أجواء المنطقة على مدار ٢٤ ساعة بشكل يومي، ولا تتوانى قوات النظام عن استهداف أي تحرك للمدنيين، ومعظم الاستهدافات كانت تتم عن طريق صواريخ موجهة، وقذائف ليزرية (كراسنوبول) تستهدف الجرارات الزراعية والورشات وآليات النقل، ما أدى إلى وقوع العديد من القتلى والجرحى في تلك المناطق.

ونوه العبسي إلى أن قوات النظام والميليشيات المساندة لها اتبعت هذا الأسلوب سابقاً في مناطق ريف إدلب الجنوبي الوافرة بمواسم الزيتون قبيل إعلان سيطرتهم عليها، الأمر الذي أدى إلى نشوب حرائق التهمت مئات الدونمات، ومنعت مالكيها المدنيين من الاستفادة منها.

لم يتمكن عمر الخطيب (٤٨عاماً) للعام الثاني على التوالي من قطاف محصول الكرز من أرضه الواقعة في منطقة خطوط التماس مع قوات النظام بالقرب من بلدة الفطيرة جنوبي إدلب؛ إذ فضل الرجل ترك المحصول دون قطاف، على الرغم من حاجته الشديدة لثمن ذلك المحصول، بعد أن أدرك بأن الاقتراب من أرضه بات "أشبه بالانتحار" على حد تعبيره.

أما صالح المعروف (٥٠عاماً) من بلدة عين لاروز، فقد أصر على قطاف محصوله من المحلب على الرغم من خطورة الوضع، خاصة وأن عدد أفراد عائلته كبير ولا يوجد لديه مصدر رزق آخر. تعرض المعروف للاستهداف عدة مرات، كما أشار، ما أدى إلى إصابته بجروح طفيفة، لكنه استمر في القطاف إلى أن تمكن من جني محصوله كاملاً، لكن العملية استغرقت هذا العام قرابة الشهر ونصف، فيما كان يجني محصوله سابقاً في مدة تقل عن أسبوع.

أما محمد الأحمد (٣٥ عاماً من بلدة إبلين) فكاد أن يفقد حياته، إذ أصيب وزوجته وأحد أبنائه إصابات بليغة بشظايا إحدى القذائف الصاروخية التي استهدفتهم أثناء عملهم في جني محصولهم من التين، الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن أرضه ورزقه والهرب باتجاه ريف إدلب الشمالي الآمن نسبياً. وتحدث عن ذلك بغصة: "لم يبق شيء إلا وحاربونا به، وها هم اليوم يحاربوننا بلقمة عيشنا. لقد أصبحت أراضينا محرمة علينا، نسترق الدخول والخروج إليها كاللصوص".

وقال المزارع الثلاثيني سعيد القاسم من قرية مشون، أن محصوله من التين لهذا العام كان متضرراً وقليلاً مقارنة بالسنوات الماضية، لأن محصول التين يحتاج إلى رعاية مستمرة، وهو أمر مستحيل في منطقة تعتبر جبهة قتال، وتتعرض بشكل يومي لعشرات القذائف، الأمر الذي أثر على جودة المحصول وكمية إنتاجه التي تدنت بشكل واضح هذا العام بسبب قلة الرعاية، كما أن شجرة التين تحتاج إلى قطافها عدة مرات كون ثمارها تنضج على مراحل، الأمر الذي يزيد من صعوبة الجني.

ومع بدء موسم قطاف التين ونتيجة تكثيف القصف على قرى جبل الزاوية،

طلبت "هيئة تحرير الشام" صاحبة النفوذ في محافظة إدلب من المزارعين في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب عدم الاقتراب من الأراضي الزراعية دون تنسيق معها، وذلك في بيان نشرته في الثامن من آب المنصرم.

وقسمت تحرير الشام المنطقة إدارياً إلى ثلاث مناطق، الأولى من جنوب قرية كفرعويد حتى قريتي سفوهن والفطيرة، والثانية كامل الخط المحاذي لبلدة كنصفرة، والثالثة كامل الخط المحاذي لبلدة البارة وقرية دير سنبل شرقاً.

ويعتبر قصف النظام المستمر للمنطقة خرقاً للاتفاق بين روسيا وتركيا حول إدلب، الذي قضى بوقف إطلاق النار كأحد أبرز البنود.