- Home
- Articles
- Radar
نازحو دير الزور في مناطق «درع الفرات»
في كراج أعزاز تفترش نساء وأطفال وشيوخ الأرض، ويطوف رجالهم غير بعيد في محاولات يائسة لاتخاذ قرار مصيب يخصّ ترحالهم، ويبدون حذرهم من أيّ شخص يقترب ليفتتح حديثاًَ معهم، رغم أن قسماََ منهم يقع في أيدي سماسرة الفنادق، بينما يبيت قسمٌ آخر في الكراج منتظرا الصباح لإكمال الطريق إلى إدلب، حيث يقيم أقرباء، أو حيث يقترب حلم العبور إلى تركيا من التحقق، وعلى أي حال تبقى الأسعار هناك أفضل من هنا بكثير… إنهم الهاربون من الحرب في دير الزور
يمرّ جميع الخارجين من مناطق «درع الفرات» باتجاه إدلب بكراج مدينة أعزاز، وبحسب إدارته فإنّ 150 شخصاََ من أهالي ديرالزور يتجهون يومياََ إلى هناك عبر عفرين، على أنّ العدد لا يعبر عن الفترة السابقة، حيث كان عددهم أكبر من ذلك. ويستند هيثم عموري مدير الكراج إلى الأحاديث التي يجريها مع النازحين في تقسيم وجهتهم النهائية، ويفيد أنّ 10% منهم فقط يقصدون حلب ودمشق الخاضعة لسيطرة النظام، وهؤلاء «يقولون ماعلي شي»، بينما يستقر البقية في إدلب. افتتحت مجموعة من أبناء محافظة دير الزور نزلاً في مدينة أعزاز يستضيف نازحي دير الزور الذين لا يجدون مأوى أثناء توقفهم في المدينة، ويمكن لهم أن يظلوا فيه حتى عشرة أيام. ومنذ افتتاحه قبل شهرين تقريباً استقبل النزل نحو 210 عائلات، استطاع بعضها لاحقاً، تدبر أمره مع أقاربه، أو شراء خيمة أو كرفانة في إحدى المخيمات، أو على أطراف المدينة.
بعد أن رفض أحد القائمين على (النقطة صفر) المتواجدة عند حاجز العون -أول حاجز يصادف النازحين عند قدومهم إلى مناطق درع الفرات- إعطاءنا أي معلومات عن أعداد الداخلين إلى تلك المناطق، عرفنا من سائقين يعملون في نقل الركاب من هناك أنّ 50 سيارة من نوع (فان) تقلّ كل واحدة منها ما لا يقلّ عن 15 شخصا، تنقل القادمين من منبج، آخر منطقة تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» قبل مناطق درع الفرات، تنتقل يومياً من المنطقة الأولى إلى الثانية عدا عن السيارات الخاصة. يقارب هذا العدد -750- عدد الأشخاص الذين تسمح لهم إدارات المخيمات في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» بالخروج منها، وهو 600 شخصاَ في اليوم، عدا الخارجين من هذه المخيمات عن طريق التهريب.
من الصعب تمييز العائلات من محافظة دير الزور التي تقيم أصلاً في شمال وشمال شرق حلب، عن تلك القادمة حديثاً هرباً من العمليات العسكرية الأخيرة في المحافظة، لكن بجميع الأحوال فالأعداد في تنامي مستمر. ففي جرابلس تجاوز عدد العائلات 1010 عائلات مؤخراََ، بحسب إحصاء عاملين في الإغاثة. بعضهم ينزل حين وصوله جرابلس في مدرسة مجهزة بالحد الأدنى من مستلزمات السكن، يمكن البقاء في هذه المدرسة/المضافة التي يديرها شبان من دير الزور لمدة شهر. وفي الباب -الوجهة الأكبر للوافدين- تجاوز عدد العائلات الديرية فيها 1500 عائلة، بحسب ناشطين إغاثيين؛ افتتحت، لاستقبال قسم منهم لعشرة أيام، تسع مضافات، يلعب فيها العامل الاجتماعي دوراََ هاماََ، حيث تختص كل مضافة باستقبال أبناء منطقة محددة من دير الزور، رغم وجود استثناءات ذات طابع إنساني في بعضها. أما في أعزاز فتجاوز عدد العائلات الديرية 525 عائلة تتوزع بين المخيمات والمدينة.
بمجرد أن يرى الوافدون شخصاً ما يحمل أوراقاً، يتجمعون حوله على أمل أن يساعد في حل مشكلاتهم الكثيرة، فيعرضون له سوء أحوالهم وحكايات رحيلهم الشاق، والعقبات التي تعترضهم لتأمين مأوى، بعد صدمتهم بارتفاع إيجارات البيوت؛ في بعض الحالات أجرت بعض المنازل في مدينة اعزاز ب 400 دولار شهرياً، ولهذا تبدو فكرة استئجار بيت خيار غير مطروح بالنسبة لكثيرين، فيسعون لتدبر أمرهم بأكثر من طريقة؛ ففي مخيم سجو، حيث قصدت عشرات العائلات، لم تسمح الإدارة بإقامة خيم جديدة، لكنها غضت الطرف عن الوافدين الجدد من دير الزور، وقد بقي منهم في المخيم 75 عائلة، حين راحوا يشيدون دوراََ في مكان خيم أقاربهم، لتتسع بالتالي لأكبر عدد ممكن من الأفراد. وبحسب حسين ذرج مدير المخيم فإن الموظفين السوريين في المنظمات الكبيرة هم المسؤولون عن الوضع السيء للوافدين الجدد من دير الزور، فالموظفون «يستطيعون المساعدة، ولكنهم دخلوا في البيروقراطية، وتقاريرهم المرفوعة تقول أن (كل شيء تمام)».
بابتسامة ودودة يرحب بنا أبو خالد في غرفته بمخيم سجو، ويصرّ على جلوسنا لشرب القهوة، معقباَ «نحن لدينا غاز» لتأكيد الوضع الجيد الذي يعيش فيه قياسا لبقية النازحين من أبناء دير الزور، نظراَ لوجوده منذ سنوات في المخيم، وعمله المتقطع مع المنظمات كذلك، إذ وفر له العمل ثمن ألواح الطاقة الشمسية وخزان الماء التي اشتراها، كما يقول، ويتحدث بعدها عن سلبية المنظمات، منذ سنتين حتى الآن، تجاه النازحين بشكل عام من ناحية توزيع الشوادر السقفية والعوازل الأرضية والخدمات، وتجاه النازحين الجدد، ومعظمهم من دير الزور، بشكل خاص. ويدلل على قدرتهم على المساعدة باستجابتهم السريعة لمطالب المظاهرة التي خرجت منذ أيام برعاية فصائل من الجيش الحر، وضمت 35 شخصاََ، وتوجهت إلى بوابة باب السلامة للمطالبة بمستلزمات السكن من أغطية ووسائد ومفارش…، على أنّ أحداََ حتى الآن لم يطالب بفتح الكرفانات المغلقة في أكثر من مخيم، والتي تحتكرها فصائل مسلحة، وتأخذ عنها حصصاََ غذائية، ومعونات أخرى، كما يهمس كثيرون.
يرافقنا أبو خالد إلى مخيمات أخرى في محيط أعزاز، كالريان وباب السلامة والهلال، حيث استقرت عشرات العائلات القادمة مؤخرا من دير الزور، ومن خلال اللقاءات يتضح أن وجود غالبيتهم في المخيمات جاء بعد التخلي عن مدخراتهم وأغراضهم الثمينة مقابل الإقامة في المخيم، التي تكلف 300 دولاراََ فما فوق ثمنا للخيمة، لكن المقيم فيه سيتخلص من إيجارات البيوت النارية، في ظل انقطاع سبل المعيشة، وسيحظى بحصص غذائية، ورعاية طبية بالحد الأدنى، كما توضح العديد من العائلات، لكن ذلك كلفهم الكثير. فعلى سبيل المثال باع أحدهم سيارته، وكانت آخر ما يملك، ليشتري كرفانة في مخيم الريان ب 1200 دولاراََ، أما من لا يملك المال اللازم لشراء خيمة، فيعيش مشرداََ على هوامش المخيمات والمدن، كحال أم قاسم.
من الخيمة التي اشتراها أحدهم لأم قاسم ب 35 ألف ليرة سورية، ونصبتها في أطراف أعزاز، يخرج قاسم بسنواته الست لاستقبالنا، والتعبير عن شوقه للدراسة، رغم أنه خرج من دير الزور بكسل وظيفي بإحدى عينيه، وبصحبة والده المصاب بخلل في توازنه الذهني، منذ أن شاهد مقتل جاره على يد تنظيم الدولة، لتحمل المسؤولية عنه زوجته أم قاسم، التي اصطدمت برفض أصحاب الأراضي السماح للنازحين بنصب الخيام بسبب الخوف من تحول أراضيهم إلى مخيم؛ لكنها نجحت أخيرا في نصبها على أرض خارج المدينة، وفرشها بعد 15 يوما من ذلك، لكن وقوع خيمتها خارج المدينة حرمها من التسجيل في المكتب الإغاثي في أعزاز، كما أخبرها القائمون عليه، وحرمها بعدُها عن المخيمات من التسجيل في المنظمات المسؤولة عنها، لتعتمد على ما يجود به الجيران بين الفينة والأخرى.
في استبيان أجريناه حول المتطلبات الأساسية للوافدين، سألنا 23 عائلة وافدة حديثا من ديرالزور، في كل من الباب وأعزاز، تتوزع في المضافات وعلى هوامش المخيمات وبعض البيوت الجماعية؛ كانت إجابات 14 عائلة تفيد بحاجتهم لمخيم، في حين طالب آخرون بتوفير فرص عمل وسلات إغاثية ورعاية صحية، الأمر الذي ظهر في أكثر من محاولة لفاعلين اجتماعين وعسكرين وسياسيين وإعلاميين من دير الزور لإنشاء مخيم يستقبل الوافدين الجدد؛ على أن قسماََ من المحاولات تلاشى بعد فترة، وتحول لافتتاح مضافات وتوزيع سلل غذائية ومبالغ مالية على أساس اجتماعي، واستمر قسم آخر، في ظل إحباط من تجاهل المنظمات والهيئات الدولية، وخوف من اعتراض السلطات التركية ممثلة ب «آفاد» على إنشاء مخيم جديد. وتبين إجابات المستطلعين، أيضاََ، أن أربعاََ فقط من العائلات تعتمد على عمل أحد أفرادها أو أكثر، بينما يعيش البقية على المدخرات، أو مساعدة الأقارب عبر التحويلات، أو الاستدانة.
مخيم الهلال - عدسة الكاتب - خاص