في غياب التدفئة.. النازحون في مخيمات ريف إدلب الغربي يتحايلون على الشتاء "الخيمة ضيقة.. بس بدنا نتحمّل بعض"

عجوز تجمع الحطب في مخيمات منطقة الملند - ريف إدلب الغربي- بعدسة الكاتب

مقابل مبالغ زهيدة، استطاعت خالدية، وهي نازحة من جبل الأكراد في ريف اللاذقية، شراء لباس شتوي لأطفالها من أحد محال البالة التي افتُتحت في مخيم للنازحين بريف إدلب الغربي. تُلبس خالدية الأطفال عدة كنزات شتوية في النهار، وتُرسلهم إلى خيمة شقيقها أثناء هطول الأمطار، وفي الليل عندما يكون الطقس بارداً، للحصول على الدفء بسبب عدم قدرتها شراء مدفأة ووقود. 

تقول: "صحي الخيمة بتصير ديقة كتير من كتر الولاد، بس بدنا نتحمل بعض بين ما تنتهي الشتوية".

وفي الوقت الذي تضطر عدد من العائلات إلى السكن مع بعضهم البعض في فصل الشتاء من أجل توفير مصروف التدفئة، يترك ياسر العمر خيمته التي كان يسكنها في فصل الصيف، مصطحباً طفليه وزوجته إلى خيمة أهله منذ بداية فصل الشتاء. يقول: "من سنة كاملة ما قدرت لاقي شغل هون، وبعد ما إجت الشتوية ما كان عندي قدرة اشتري حطب، كرمال هيك سكنت عند أهلي لحتى تمضى الشتوية".

وتعاني مخيمات ريف إدلب الغربي من انعدام وسائل التدفئة في ظل غياب المنظمات الإنسانية، ويعتمد الأهالي بشكل كبير فيها على قطع الأشجار الحراجية لمقاومة فصل الشتاء، إذ لا يملك القسم الأكبر منهم ثمن مواد التدفئة.
"والله يا ابني إذا ما بلم كل يوم هالعودان، بموتو الولاد من البرد" بهذه الكلمات تعبر سمر إبراهيم عن حالتهم المأساوية نتيجة دخول فصل الشتاء على مناطق المخيمات بريف إدلب الغربي، وغياب وسائل التدفئة.

سمر سيدة ثلاثينية نازحة من مدينة اللاذقية برفقة أربعة أطفال فقدوا والدهم خلال معركة ضد قوات النظام في ريف اللاذقية عام ٢٠١٤، وبقوا بلا معيل، وتعمل والدتها في بيع المواد الغذائية على الطريق لتأمين قوت يومهم.
تخرج سمر كل صباح باتجاه منطقة خربة الجوز حيث تجمع العيدان، وتكوِّمها جانب خيمتها لتستخدمها في الطهي والتدفئة. يتحلّق أطفالها حول النار لنيل القليل من الدفء "بالنهار نتدفى على العودان ونطبخ عليها، وبالليل كل ولد بعطيه حرام يتدفى فيه للصبح".

أما محمد أبو عمار النازح في مخيم الزوف في ذات المنطقة، فيرسل أطفاله خلال النهار لجمع الأحذية القديمة والعيدان وبعض الألبسة المهترئة لإحراقها والتدفئة بنارها. "عندي صوبة مهترية من كتر ما شغلتها على شحاطات وتياب بالة، لأن ما في بديل غير رحمة الله".

ويُنتج حرق الأحذية والألبسة القديمة دخاناً كثيفاً في المخيم بالإضافة إلى انبعاث الروائح الكريهة، الأمر الذي يسبب الأمراض وخصوصاً للأطفال الذين يعانون من التهابات تنفسية، ولكن مع عدم وجود البديل يصبح هذا الأمر أفضل الممكن، "ما في أسبوع إلا ناخد الولاد ع الدكتور، ويقول لنا انو سبب المرض الدخان تبع الشحاطات، بس يموتوا من الدخنة أهون ما يموتوا من البرد" يقول أبو عمار.

يعمل غالبية الأهالي والنازحين في ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي في جمع الحطب وبيعه من أجل الحصول على مدخول شهري يساعدهم على المعيشة في ظل ارتفاع نسبة البطالة في المنطقة، وغياب الدعم الإنساني من المنظمات التي تركز عملها في مناطق ريف إدلب الشمالي، عدا عن أن المنطقة تفتقد لوجود مصالح تجارية تُشغِّل العاطلين عن العمل.

محمد الشغري نازح من ريف اللاذقية يعتمد في تدفئة أولاده على إلباسهم الكثير من الألبسة الشتوية والقفازات التي حصلوا عليها من المنظمات الإنسانية لمقاومة البرد في الصباح، في حين يقوم بإشعال مدفأته ثلاث ساعات في الليل لتوفير أكبر كمية من الوقود، ويقول: "هاي الطريقة الوحيدة كرمال يكفينا الحطب لآخر السنة، لأن الشتا طويل وما في مصاري نشتري حطب أكتر من هيك".

ويرى الشغري بأن فصل الشتاء يزيد من هموم معظم النازحين بسبب حاجة العائلة لمصاريف المحروقات واللباس الشتوي وقلة العمل على عكس فصل الصيف، ناهيك عن ضيق الخيام، حيث لا تملك العائلة مهما كان عدد أفرادها أكثر من خيمة واحدة، ما يسبب إحراجاً لكثير من العوائل الكبيرة القاطنة في المخيمات، في وقت لا يفسح وجودهم مجتمعين في الخيمة المجال لتوفير الخصوصية لأي منهم.

وعن نشاط المنظمات الإنسانية في المنطقة، يقول الشغري إن منظمة وزعت عدة أكياس من مادة الـ“بيرين“ التي تستعمل في التدفئة على عدد من المخيمات في المنطقة، ولكنها لا تكفي لأكثر من عشرة أيام لأي عائلة تريد الحصول على الدفء طوال اليوم. "كل عيلة بدها طن بيرين، والعيلة الكبيرة بدها طن ونص. خمسة أكياس ما يكفوا خمسة أيام، لذلك بلاهن أحسن".

ويذكر بأن أغلب الذين هربوا من مدينة اللاذقية وخصوصاً الذي رفضوا تأدية الخدمة العسكرية باتوا يقطنون مع أهاليهم في مخيمات ريف إدلب الغربي، ناهيك عن العائلات المهجرة من جبلي الأكراد والتركمان بعد أن سيطر جيش النظام على قسم كبير منهما.