رمضان الحاليّ هو السادس خلال الثورة والخامس على تحرير حلب، منذ دخل الجيش الحرّ المدينة في أول أيام الشهر المبارك من عام 2012 وسيطر على جزءٍ كبيرٍ منها.
ترافق قدوم رمضان هذا العام مع شنّ قوّات النظام هجوماً عنيفاً على حلب التي تشهد أحياؤها عشرات الغارات الجوية يومياً، تستخدم فيها شتى أنواع الأسلحة، كالبراميل المتفجرة التي يلقيها الطيران المروحي، والصواريخ التي يلقيها الطيران الحربي، وقذائف الهاون وصواريخ الفيل (أرض-أرض)، بالإضافة إلى سلاحٍ جديدٍ وهو خرطومٌ طويلٌ يحوي بداخله مواد متفجرةً ويزداد تأثير انفجاره بازدياد طوله. ويخشى أهالي المدينة من استعمال هذا السلاح داخل الأحياء السكنية حيث ستكون قوته التدميرية مضاعفة، بعد أن قام النظام باستخدامه قبل أيامٍ على جبهة البريج شمال حلب.
وتتركز معظم الضربات الجوية والمدفعية حالياً على الكاستيلو، وهو الطريق الوحيد الواصل بين حلب وريفها أو الأحياء القريبة منه. وقد تمّ قطع الطريق نارياً عدّة مرّاتٍ وأصبح المرور منه مخاطرةً كبيرة. ويخشى أهالي المدينة من إطباق الحصار عليهم في حال تقدم قوات النظام على طريق الكاسيتلو من جهة البريج وحندرات والملاح أو تقدم وحدات حماية الشعب من جهة حيّ الشيخ مقصود.
التقينا أبو محمد، أحد الباعة في حيّ بستان القصر، فقال: «معاناتنا كبيرةٌ جداً في هذا الشهر الفضيل، ولكنها لا تشكّل أيّ شيءٍ أمام معاناة سكان المناطق المحاصرة كداريا ومضايا وغيرها. نحن نصوم لساعاتٍ أما هم فيصومون لأشهرٍ وربما لسنين. أسأل الله أن يفرّج عنهم ويفكّ ضيقهم، وأتمنى ألا يأتي شهر رمضان في السنة المقبلة إلا وتكون مدينة حلب قد تحرّرت وأُبعد كابوس الحصار، فأنا أخشى حصوله».
وفي بيانٍ لها دعت غرفة عمليات فتح حلب السكان إلى الحذر وعدم التجمع لأداء صلاة التراويح في ظلّ الهجمات المستمرّة للنظام على الجوامع، ولكن هذا لم يحدث، فإصرار الحلبيين على ممارسة طقوس رمضان وشعائرهم الدينية كان أولويةً بالنسبة إليهم حتى وإن شكّل التجمع لصلاة التراويح خطراً على حياتهم.
كما لم يمنع القصف العنيف وارتفاع الأسعار أصحاب المحلات التجارية من فتح محلاتهم، ولم تخلُ الأسواق من أصنافٍ اعتادها الأهالي في كلّ رمضان، كالسوس والتمر الهندي والمعروك.
إلا أن موائد الإفطار لم تعد كما كانت عامرةً بما لذّ وطاب، والكل يعرف أن حلب مشهورةٌ ومتميزةٌ بتفنّن أهلها بطهي الطعام، حتى كان يقال عنها «أم المحاشي والكبب». إلا أن الأوضاع المعيشية خلال السنوات الأخيرة -وهذه السنة تحديداً- غيّرت مائدة الطعام الحلبية كثيراً، وذلك بسبب غلاء الأسعار وارتفاع صرف الدولار إلى عشرة أضعاف ما كان عليه عام 2011. يقول أبو محمد: «رمضان هذا العام هو الأصعب خلال السنوات الخمس الأخيرة، فالأسعار ارتفعت كثيراً وما زالت أرباحنا على ما هي. والمبالغ التي نجنيها لا تسدّ احتياجاتنا بالكامل».
وأسهم القصف المستمرّ والعنيف لقوّات النظام على الكاستيلو -شريان المدينة الوحيد- في رفع الأسعار في حلب المحرّرة بسبب صعوبة إدخال المواد الغذائية وبالتالي قلتها في الأسواق. ووضع المحروقات ليس أفضل فقد ارتفعت أسعارها للسبب نفسه، مما شكّل مشكلةً لأهالي المدينة لما للمحروقات من أهميةٍ كبيرةٍ لديهم إذ تعدّ المصدر الأساسيّ والوحيد للطاقة الكهربائية.
بالتأكيد لم يعد شهر رمضان كما تعوّد أهالي حلب، فقد أصبح من المستحيل أن تجتمع الأسرة كاملةً على مائدة الإفطار كما كانت سابقاً، فلا تخلو عائلةٌ حلبيةٌ من شهيدٍ أو معتقلٍ أو لاجئٍ إلى خارج سوريا. يروي لنا أبو العم أبو ياسين فيقول: «هاجر أقرباؤنا جميعهم إلى تركيا، حتى ابني الوحيد هاجر إلى إسطنبول مع زوجته وأطفاله للعمل هناك، ولم يبقَ في حلب أحدٌ من العائلة إلا أنا وزوجتي».
يحلم الحلبيون بأن تعود أجواء رمضان كما تعوّدوا عليها في السابق، كما يأملون أن تعود مدينتهم واحدةً لا تفصل بين الحيّ والآخر أيّ جبهة قتال، وألا يأتي شهر رمضان من العام القادم إلا ويعود كل المهاجرين واللاجئين ليبنوا مدينتهم من جديد.