رمضان السويداء.. لمسة النازحين وضيق ذات اليد

مدينة السويداء - من الانترنت

تعيش السويداء رمضانها العاشر بحضور النازحين، الذين أضافوا لمستهم الرمضانية الخاصة إلى أجواء المحافظة، عبر حضور أكبر لمظاهر الصيام واستقبال الشهر بالزينة والمأكولات الخاصة ومواقيت التبضع والخلود إلى المنازل، رغم ما تركته من أثر عودة أعداد كبيرة منهم إلى مناطقهم. بينما قابلهم المستضيفون بأجواء الألفة والاحتضان والتكافل الاجتماعي، في ظل أوضاع اقتصادية مأساوية تطحن الجميع.

في الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2018 وصلت نسبة الوافدين في السويداء إلى حوالي 30% من نسبة السكان، وباتت بعض الأسواق وسط المدينة مثل شارع الشعراني وسوق الخضار، أشبه بالأسواق الدمشقية في شهر رمضان، حيث الزينة المدلاة من حبال تمتد على عرض الشارع، وحركة الزبائن الكثيفة ما قبل الإفطار، ثم خلوّ الأسواق من الحركة بعد حلول موعده. تفاعلت السويداء في تلك الفترة مع ضيوفها كما تفاعلوا معها، خلال أربع سنوات كانت مثالاً للتعايش بين السوريين يناقض كل المزاعم عن انقسام المجتمعات السورية بعد الثورة.

وأكد أحد تجار السويداء لعين المدينة، أن الحركة التجارية في المحافظة بلغت أوجها في تلك السنوات الأربعة، وخصوصاً خلال أشهر رمضان. مشيراً إلى أنها فترة لم تكن مسبوقة في السويداء حتى قبل العام 2011، من حيث نشاط الأسواق والبضائع وتركزها في شهر واحد، وسيطرة جو الألفة بين النازحين والمستضيفين.

وبرغم الخصوصية الاجتماعية والثقافية لمحافظة السويداء، فإن وفود العائلات النازحة إلى المحافظة وقد وصل عددها إلى 200 ألف نازح منذ بداية النزوح، قد زاد عدد الصائمين وأثّر في حركة العملية الاستهلاكية خاصة في هذا الشهر الفضيل، وأضاف عنصراً مشاركاً -فاعلاً ومنفعلاً- في لوحة الموزاييك السوري في الوضع الراهن.

أما اليوم، فلم تعد أيام رمضان كما كانت سابقاً بفلكلورها وتقاليدها الشعبية الاجتماعية والدينية وخصوصيتها الاحتفالية المنتظرة كل عام، بسبب الأزمة التي يعيشها السوريون على جميع الصعد، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية المتنامية يوماً بعد يوم، إضافة إلى تقلص عدد النازحين في المحافظة إلى ما يقارب 20 ألف نازح، يقيمون في مخيمات عشوائية في الريف الغربي للمحافظة أو موزعين في المدينة وبعض القرى، إضافة إلى 270 عائلة وفدت إلى المحافظة بعد الزلزال الأخير.

السيد أحمد الحياني من أهالي محافظة حلب ويقيم مع عائلته المكونة من ستة أفراد في مدينة السويداء منذ عام 2013 قال لعين المدينة، أنه رغم اختلاف الجو الرمضاني بين حلب والسويداء، من ناحية صيام أكثرية السكان في حلب والأقلية في السويداء، وطبيعة حركة الأسواق وغيرها، إلّا أن الألفة الاجتماعية التي يعيشها في السويداء، وعلاقاته مع الجيران وسكّان الحي الذي يعيش فيه، تجعل الشهر الفضيل بالنسبة إليه فريداً من نوعه.

وأضاف الحياني "رغم أن جيراني لم يعتادوا الصيام في رمضان، إلا أنهم يتبادلون معي سكبات الطعام في موعد الإفطار في نوع من المودة والمحبة، كما أن مسؤول العمل عني في المنطقة الصناعية يخفّض لي ساعات العمل طيلة الشهر". لكن جنون الأسعار والحالة الاقتصادية المتردية وفق الحياني، صارت القاسم المشترك لكل السوريين في رمضان الحالي، فوجبات الإفطار (على سبيل المثال) تقتصر على مأكولات محددة يتناسب سعرها مع دخل المواطنين.

السيد أحمد تابع حديثه قائلاً "بعد انقضاء أسبوعين من رمضان لم أتذوق مع عائلتي الدجاج أو اللحوم إلّا مرتين فقط، وبشق الأنفس". واستطرد "كيلو اللحمة الحمراء يصل سعره إلى 70 ألف ليرة سورية، وكيلو شرحات الدجاج إلى 45 ألف ليرة سورية. وجبة الإفطار العادية بدون أي نوع من أنواع اللحوم، باتت تكلفتها تبلغ 40 ألف ليرة سورية على أقل تقدير".

ربيع رضوان أحد ناشطي السويداء قال لعين المدينة، أن تردّي الحالة الاقتصادية في سوريا والوضع المزري الذي وصل إليه معظم السوريين ومعاناتهم في تأمين الحاجيات المعيشية الضرورية، قد غيّر أجواء شهر رمضان المبارك الذي عرفته السويداء في العقد المنصرم، ورسم البؤس والقهر على وجوه أرباب الأسر الصائمة.

وأكمل بأن الأجواء عبارة عن "صورة قاتمة بائسة ترتسم على وجوه الصائمين المتحلّقة حول بسطات الخضار والمواد الغذائية الاستهلاكية في سوق الجشع، علّهم يستطيعون الحصول على ما يسدّ رمق العائلة على إفطارها من خضار وحبوب ذات تصنيف رديء من آخر بيعة، والكلّ يطلق حسرات على زمان قريب مضى، على موائد الإفطار الزاخرة بأنواع الأطعمة والحلويات اللذيذة".

وأفاد من تحدثت إليهم عين المدينة أن أسعار المواد الغذائية في شهر رمضان زادت بنسبة (30%)، بينما الفرق الشاسع بين الدخل والأسعار جعل الإفطار يقتصر على وجبة خفيفة بالكاد تسد الحاجات الغذائية للصائمين.

بدورها نسقت الجمعيات الخيرية والمجتمع الأهلي مع الفعاليات الاقتصادية للمشاركة بجمع التبرّعات اللازمة من المواد العينية والغذائية لتوزيعها لمستحقيها في هذا الشهر، كمبادرة "إيد بإيد، ليعمّ الخير بين الأهل" والتي استهدفت الأسر التي حلّت ضيوفاً على المحافظة جراء الزلزال، كما وزّعت مؤسّسة "مرساة" الخيرية (التعليمية الصحيّة التنموية) سلاّت غذائية وألبسة ومساعدات مادية بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، بينما قامت "جمعية الأقحوانة" بمبادرة "إفطار خيري" تقدمّه للأسر الوافدة، وجمعية "أوكسجين" بالتعاون مع "أصدقاء دار السلام" بدعوة أكثر من ستين عائلة من الوافدين لوجبة إفطار في الفندق.