انتهاء موسم التدفئة البدائية واستمرار أمراض الجهاز التنفسي

المازوت وسيلة أساسية للتدفئة (Getty)

ما زالت أمراض الجهاز التنفسي تزداد شمال غربي سوريا، رغم انتهاء فصل الشتاء والتوقف معه عن استعمال طرق التدفئة البدائية ذات الأكلاف الصحية العالية. وفي جو الشك الذي يرافق كل الأعراض التنفسية، والخوف الذي يسببه انتشار كورونا، يحاول الأطباء والمصابون في المنطقة تشخيص ما يحدث ومعرفة علاجه.

ضيق في التنفس وسعال متقطع وبحة في الصوت، أعراض ترافق أم صابر (من كفرنبل 42 عاماً) في أماكن نزوحها وتنقلها المستمر، ما دفعها إلى زيارة الطبيب محمد حلاق اختصاصي الأمراض الصدرية، الذي شخص الحالة على أنها التهاب بلعوم تحسسي، ونصحها بالابتعاد عن مصادر الروائح والهواء الملوث كشرط أساسي كي تتحسن حالتها.

أم صابر ليست الوحيدة التي تعاني من هذه الأمراض، فهناك أناس كثر في شمال غرب سوريا والمناطق المحررة أصبحوا يعانون من هذه الأمراض التحسسية التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي والسفلي أحياناً، خاصة بعد موجة النزوح الأخيرة عام 2019 التي وصلت بعدد سكان المنطقة إلى حدود قياسية، فبحسب آخر إحصائية أصدرها فريقمنسقو استجابة سورياعبر تصريح رسمي لمدير الفريق محمد الحلاج، بلغ العدد الإجمالي لسكان شمال غرب سوريا 4093514 نسمة، بينما وصلت نسبة الكثافة السكانية 998 نسمة ضمن الكيلو متر المربع الواحد.

تقول أم صابر إنها كانت تسكن في مخيم مكتظ بالسكان عندما بدأت الأعراض بالظهور، "في منتصف الشتاء الماضي تأزمت حالتي بشكل كبير. أصابني سعال حاد مع استنشاق أدخنة المدافئ التي تعمل على مادة الفحم والنفايات البلاستيكية التي يستعملها بعض سكان المخيم بسبب رخص ثمنها“. حاولت أم صابر أن تعمل بنصيحة الطبيب بالابتعاد عن المكان المكتظ الذي يبلغ تعداد خيامه 1000 خيمة تقع وسط مخيمات أخرى شمال قرية كللي، واستأجرت بيتاً في مدينة سرمدا، لكن حالتها الصحية بقيت كما هي، بسبب دخان السيارات الكثيفة التي تعمل بوقود سيء التكرير، والغبار المنبعث من جو المدينة التجارية مع بدايات فصل الصيف، ما دفعها للتفكير بالعيش في الريف.

الطبيب الحلاق ومن خلال متابعته للحالات المرضية التي تطرق باب المستشفى التي يعمل فيها، لاحظ ارتفاع معدل الأمراض التنفسية التحسسية، ويرجع الزيادة إلى أسباب عديدة يقف وراءها الازدحام السكاني، مثل اكتظاظ المساكن الرطبة وغير المهواة، في مقابل تلوث بعض المخيمات بروائح الصرف الصحي والنفايات وأبخرة المدافىء، الأمر الذي يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي ونقلها عن طريق التنفس والسعال.

يشكو الطفل علاء (14عاماً) الذي يسكن مع والديه في مخيم المحسنين في ريف حلب الغربي، من سيلان أنفي والتهاب جيوب أنفية مع عدم القدرة على استنشاق الهواء، وهي ذات الأعراض التي تعاني منها والدته، وتزداد مع انتشار رائحة الصرف الصحي القريب في المنطقة، ما يضطرهما إلى أخذ جرعات من مضادات الهيستامين بشكل دوري، وقد شخص الطبيب قاسم سخيطة اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة، الحالة بأنها التهاب أنف تحسسي. يقول سخيطة: "من أكثر الأمراض التحسسية شيوعاً هذه الأيام، وهي تزداد سوءاً في التجمعات السكانية نتيجة التعرض الزائد للروائح والدخان والغبار، وعند التعرض للشمس كما في المخيمات“.

على الصعيد العام ينوه سخيطة بأن مثل هذه الأمراض قد تؤثر على الحياة بشكل عام، فتؤدي إلى تغير نمط حياة المرضى، وقد تصل بهم إلى التعطل عن الأعمال اليومية، وفي بعض الحالات الشديدة قد يحتاج المريض لدخول المستشفى وإجراء عمل جراحي لإزالة الأعراض الانسدادية في الأنف.

لا يستطيع علاء ووالدته الانتقال إلى مسكن مستقل وموافق للشروط الصحية، لعدم توفر المال، فهما مضطران لتحمل المرض. تقول والدة علاء "أتمنى من الله ألا تطول فترة نزوحنا، وأن نعود إلى منازلنا في ريف إدلب الجنوبي“. وما بين أمنية والدة علاء والواقع التعيس، يؤكد طبيب الأمراض الصدرية محمد حلاق قائلاً: "نحن أمام أزمة حقيقية ستؤدي لزيادة نسبة الكثير من الأمراض، منها الربو والسل وكورونا، سيما وأن هناك عوامل مساعدة أخرى غير الازدحام السكاني، وهو الفقر وعدم التغذية الكافية التي تقوي مناعة الجسم".

أحمد بلال صيدلاني يعمل في مدينة كللي شمال محافظة إدلب، يتعجب من زيادة الإقبال على شراء أدوية مضادات الهيستامين بشكل كبير، وقد أكد أن أغلب الزبائن يشكون من أعراض التهابية في الجهاز التنفسي العلوي، والتهاب القصبات.