التسرب الدراسي يصل لمستويات خطرة.. والإنقاذ تنكر مسؤوليتها عن الأمر

أطفال بين أكوام الصواريخ والقذائف - تعبيرية من الإنترنت

يعاني قطاع التعليم في إدلب وشمال غربي سوريا من ضعف كبير، ونقص في الدعم والتمويل، وعدم القدرة على تقديم خدمات تعليمية ضمن بيئة آمنة لملايين الأطفال في المنطقة، ما أنتج ظاهرة التسرب المدرسي وهي من أخطر الظواهر التي أفرزتها الحرب على مدى أحد عشر عاماً.

ولعل الظروف المادية وانتشار الفقر المدقع بين السواد الأعظم من المدنيين، وإغفال بعض العائلات عن أهمية تعليم أطفالهم، بل وتفضيلهم الانخراط  في سوق العمل من أجل مساعدتهم في الإنفاق، هو من أكثر الأسباب المؤدية لتسرب الأطفال من مدارسهم.

ومع صدور نتائج الشهادات الإعدادية والثانوية هذا العام، أعداد كبيرة من الطلاب ممن تركوا مقاعدها الدراسية لم يكونوا ضمن المنتظرين لهذه النتائج التي ألغيت من حياتهم التي بدت شاقة في سوق العمل المختلفة التي رمتهم بها ظروف الحياة المعيشية الصعبة.

وذكر تقرير لمنظمة اليونيسيف عن أثر الحرب على الواقع التربوي في سوريا، أن "عدد المدارس التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، تجاوز 4 آلاف مدرسة منذ منتصف 2011، أي ما يشكل نحو 40 بالمئة من إجمالي عدد المدارس في سوريا".

وأشارت تقديرات اليونيسيف عام 2019 إلى أن نصف الأطفال السوريين بين سن خمسة و17 عاماً بلا تعليم، أي أن هناك 2.1 مليون طفل بالداخل و700 ألف طفل لاجئ بدول الجوار محرومين من التعليم، كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرب من المدارس أو عدم تلقيهم التعليم.

وأكدت آخر إحصائية لفريق "منسقو استجابة سوريا" عام 2019 أن نسبة التحاق الطلاب بالمدارس تراجعت في جميع المراحل التعليمية في سوريا من 93% إلى 65% من مجموع الطلاب.

يوسف الحليم (15 عاماً) طالب نازح من مدينة معرة النعمان، متسرب من المدرسة ويعمل في المجال الصناعي بإدلب بعد نزوحهم إليها أواخر2019، يقول أن التعليم في إدلب لم يعد يشده منذ زمن وخاصة بعد أن لامس فوضى كبيرة واستهتار بالدوام المدرسي من قبل المعلمين والطلاب على حد سواء.

"منروح ومنرجع عالفاضي، مافي إعطاء دروس، على طول الاستاذ غايب" يقول يوسف واصفاً الدوام المدرسي قبل أن يقرر ترك المدرسة والتوجه لتعلم مهنة الحدادة في إدلب.

بينما يشكو الطالب عمر الابراهيم (14 عاماً) وهو نازح أيضاً من بلدة معيشورين ومقيم في مدينة الدانا شمال إدلب منذ أربع سنوات، غلاء الأقساط الشهرية للمدرسة الخاصة التي كان يرتادها بغية تحصيل ما فاته من تعليم، ويقول "تراجع التعليم في المدارس العامة، واستنتاجي بأنه لا فائدة من ارتيادها دفعني للتسجيل في المدرسة الخاصة، غير أن الأقساط راحت تزداد بشكل كبير لتصل إلى 35 دولار شهرياً، فغدوت معها عاجزاً عن الدفع ومتابعة تعليمي وسط الظروف المعيشية الصعبة هنا".

ويعزو مدير إحدى المدارس الخاصة في مدينة الدانا شمال إدلب وفضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أسباب زيادة الأقساط إلى تدخل "حكومة الإنقاذ" في القطاع التعليمي وفرضها ضرائب على المدارس الخاصة، وهو ما ساهم بشكل مطرد في رفع الأقساط الشهرية لتتناسب مع المدفوعات الشهرية المكلفة والموزعة بين رواتب الكادر التعليمي والقرطاسية المدرسية والمعدات والكتب والضرائب وغيرها.

محذراً من أن غياب الحلول الاستراتيجية للقطاع التعليمي ومساندته ودعمه بكافة السبل ورفع العثرات والعقبات من طريقه لتدارك هذه الكارثة، "سيضع مصير أجيال كاملة في المجهول".

من جهته أنكر مدير التعليم الأساسي في حكومة الإنقاذ الأستاذ ماهر الحمدو أي تدخل من الحكومة بالنسبة للأقساط المدرسية. وزاد بأن "الوزارة تعمل حالياً عن طريق مديرية التعليم الخاص على تشكيل لجنة لتصنيف المؤسسات التعليمية الخاصة وتحديد الحد الأدنى والأعلى للأقساط لكل مرحلة تعليمية في المدارس الخاصة".

وأرجع الحمدو أسباب التسرب إلى النزوح نتيجة القصف المستمر على مناطق التماس مع النظام "المجرم"، والفقر الشديد الذي غزا الكثير من العائلات بسبب الحرب، مما يضطر الطلاب للتسرب من أجل العمل لمساعدة عوائلهم في تأمين قوت يومهم.

وأضاف أن عدم وجود قوانين رادعة للحد من هذه الظاهرة ساهم بزيادتها. مؤكداً أنه لا يوجد حالياً أي إجراء من الحكومة للحد من ظاهرة التسرب، ولكنه "تم طرح هذا المشروع لدراسته ضمن الإيعاز لكافة الوزارات ودوائر الحكومة بعدم تسيير أمر ولي أمر الطالب المتسرب إلا بعد مراجعة مديريات التربية والتعليم في المناطق المحررة ومعرفة أسباب التسرب".

وبلغت أعداد المتسربين في العام الدراسي 2021-2022 حوالي 25000 طالب وطالبة في كافة المناطق المحررة، وإذا قورنت هذه الأعداد بالأعوام السابقة فهي الأقل وفق إحصائية صادرة عن حكومة الإنقاذ في إدلب.