نيكولاس كريستوف
نيويورك تايمز/ 11 آب
ترجمة مأمون حلبي

حصلت تغطيةٌ إخباريةٌ شاملةٌ لهجوم مسلحٍ هائجٍ على نادٍ في أورلاندو في حزيران، قُتِلَ فيه 49 شخصاً، ونجمت عنه صدمةٌ على مستوى البلاد. لنتخيل أنّ مجزرةً من هذا النوع تحدث أكثر من خمس مرّاتٍ في اليوم، وسبعة أيامٍ في الأسبوع، دون انقطاعٍ لخمس سنوات، مُسفرةٍ عن 470 ألف قتيل. تلك هي سوريا. مع ذلك، وحتى عندما ترتكب الحكومتان السورية والروسية جرائم حربٍ بقصفهما المشافي وتجويعهما المدنيين، يبدو أنّ الرئيس أوباما والعالم لا يُبدون اكتراثاً.

أوباما مُصيبٌ في أن يكون حذراً من التورّط العسكريّ، والحقّ يُقال، لكني أعتقد أنّ أوباما والأميركيين عموماً مخطئون عندما يقولون: ما يجري هناك أمرٌ فظيع، لكن ليس ثمة ما نستطيع فعله. قال لي جيمس كارترايت، وهو جنرالٌ متقاعد: «ثمة أمورٌ كثيرةٌ نستطيع فعلها. نستطيع فعل أشياءٍ كثيرةٍ لخلق الأمن في مناطق مُنتقاة، ولحماية سكان تلك المناطق الآمنة والسماح لهم بإعادة بناء بلدهم حتى عندما يستمرّ النزاع في أجزاءٍ أخرى من البلاد». يعترف كارترايت، الذي أُطلِقَ عليه لقب الجنرال المُفضّل للرئيس أوباما، أنّ اقتراحه بإنشاء مناطق آمنةٍ يحمل مخاطر، وأنّ على الجمهور الأميركيّ أن يكون مستعداً لمشروعٍ طويل، لعقدٍ من الزمن أو أكثر؛ لكنه يُحذّر أن مخاطر عدم القيام بشيءٍ في سوريا أكبر. مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس بيل كلينتون، توافق على أننا نستطيع أن نفعل أكثر، مثل إقامة مناطق آمنة. وهي تُشدّد على أن الولايات المتحدة ينبغي أن تكون حذرةً جداً في استخدام القوة كي لا تجعل المشكلات أسوأ، لكنها تُضيف أنه بعد التمحيص «يجب أن نكون مستعدين لإنشاء هذه المناطق الإنسانية».

تشمل هذه الانتقادات كلا الحزبين. تقول كوري سكاك، مديرة استراتيجية الدفاع في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الابن: «أجل، هناك ما نستطيع فعله». اقتراحها هو إنشاء مناطق آمنةٍ على غرار نموذج منطقة حظر الطيران في شمال العراق عام 1991 بعد حرب الخليج الأولى. كثيرٌ من الخبراء يقترحون تحطيم القوة الجوية السورية بشكلٍ لا يعود بمقدورها إلقاء البراميل المتفجرة على المشافي والمدنيين. وإحدى الأفكار التي كثيراً ما يتمّ سماعها هي أن تُطلق صواريخ من خارج سوريا تحفر مدرّجات المطارات العسكرية لجعلها غير قابلةٍ للاستعمال. أحد أهداف هكذا استراتيجياتٍ هو زيادة فرص وضع نهايةٍ للحرب ناتجةٍ عن عمليةٍ تفاوضية. تحفّظُ أوباما جرّد وزير الخارجية كيري، الذي يحاول بعزمٍ أن يفاوض على وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار في سوريا، من القدرة على التأثير. استطاعت الولايات المتحدة تحقيق اتفاقٍ مع إيران لأنها تمتلك أوراقاً تفاوضية، بينما تخلينا عن كلّ تأثيرٍ في سوريا. لقد كان لتردّد أوباما كلفةٌ حقيقية، لأنّ أيّ خطواتٍ في سوريا هي الآن أعقد بكثيرٍ بعد أن أصبحت روسيا منخرطةً في الحرب. قبل عامين واجه أوباما تحدياً مُثبطاً آخر: إبادةٌ وشيكةٌ لليزيديين في جبل سنجار قرب الحدود العراقية. لقد تدخل بضرباتٍ جوية، ومن المحتمل أنه أنقذ عشرات الآلاف من الأرواح. كان ذلك ومضةً عظيمةً لم يتلقّ عليها ما يكفي من الثناء– ولم يكرّرها.

وفي حين أن الحذر في سوريا مفهوم، فإنه من الصعب تفسير افتقار أوباما إلى قيادةٍ عالميةٍ في الدفع إلى مساعدة اللاجئين السوريين الذين يُغرِقونَ الأردن ولبنان وتركيا. النداء العالميّ من أجل مساعدة السوريين تمّ تمويله بنسبة 41% فقط هذا العام. يقول ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطانيّ السابق: «إن كنتم تبالون بالتطرف، فإن لديكم 200 ألف طفلٍ سوريٍّ يكبرون في لبنان دون تعليم».

ربما من غير المنصف لوم أوباما عندما يكون السياسيون الآخرون والدول الأخرى ساكنة –كانت الولايات المتحدة سخيةً بالمساعدة المالية– لكن المسؤولية تقع بشكلٍ رئيسيٍّ على عاتق أوباما. فهو سيستضيف اجتماع قمةٍ حول اللاجئين الشهر القادم، وآمل ألا يفوّت تلك الفرصة لتقديم القيادة العالمية التي تحتاجها معالجة الأزمة.

قابلت مؤخراً طبيبين أميركيين شجاعين أمضيا، وبمخاطرةٍ شخصيةٍ كبيرة، عطلتهما بالتسلل إلى حلب للاعتناء بأطفالٍ أصابتهم البراميل. لقد وصفا العمل في مشفىً ميدانيٍّ تحت الأرض وغضبهما الهادئ من لامبالاة العالم. قال الدكتور سامر عطار، وهو جرّاحٌ من شيكاغو: «القعود والسماح للحكومة السورية وحلفائها بأن تقوم، بشكلٍ ممنهجٍ ومتعمد، بقصف وتعذيب وتجويع مئات الآلاف من الناس إلى درجة الموت ليس هو الحلّ. حالة الصمت وعدم الاكتراث والتقاعس لن تبدّد هذه الفظاعات».