هل توجد قوات صينية في سورية؟

Getty Images

منذ بداية ثورة الحرية والكرامة والصين تعمل في ظل الحليف الروسي الأقوى على الأرض السورية، متخذةً موقفاً براغماتياً مراوغاً، معلنةً أن ما يحدث هناك شأن داخلي بحت، وأن «مستقبل البلاد يختاره السوريون أنفسهم»، وبالتالي تركت لنفسها حرية المناورة في حال الإطاحة بنظام بشار الأسد. ما يذكرنا بموقفها من القذافي، فعلى الرغم من وعده للشركات الصينية بتوفير حوافز مجدية لإنتاج النفط الليبي في حال انتصاره على معارضيه، إلا أن بكين لم تقدم له أي مساعدة عسكرية تذكر!

تابعت بكين سيرها على خطى الدب الروسي في دعم الأسد سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية، فاستخدمت حق النقض «الفيتو» معه ست مرات خلال أعوام 2011 ـ 2017، من أجل وقف إدانة الأسد، أو محاربته، أو إحالة ملفه الإجرامي إلى المحكمة الجنائية الدولية...

في نهاية عام 2015 وصل وليد المعلم، وزير خارجية الأسد، إلى بكين، طالباً من الحكومة الصينية تقديم مساعدات عسكرية لرئيسه، بغية الوقوف في وجه معارضيه الذين باتوا يسيطرون على مساحات واسعة من الأرض السورية. إلا أن طلبه لم يلق حينها آذاناً صاغية، فلم ترسل بكين قواتها المسلحة للدفاع عن الأسد كما فعلت روسيا، واستمرت فقط في إرسال المعدات العسكرية والمساعدات الإنسانية والمالية. وحتى نظم الإمداد العسكري كانت محدودة وقديمة ومستعملة، واقتصرت على المركبات والأسلحة الرشاشة الصغيرة والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية...

في الوقت نفسه أعلنت بكين اعترافها صراحة بحكومة بشار الأسد على أنها القيادة الشرعية الوحيدة في دمشق، ودعمت العملية العسكرية الروسية في سورية على لسان الممثل الرسمي لوزارة شؤونها الخارجية هو جين تاو: «إن بكين تدعم حرب روسيا ضد «الدولة الإسلامية» في سورية»، موضحاً أنه يجب الانتباه إلى حقيقة أن العملية العسكرية الروسية في سورية جاءت بناء على طلب الحكومة الرسمية؛ متناسياً أن الضربة الروسية كانت موجهة أساساً ضد الجيش الحر والفصائل الإسلامية المعتدلة.

أجرت القوات البحرية الروسية والصينية مناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط بداية تشرين الأول 2015، إذ دخلت حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» ميناء طرطوس بعد بدء عمليات الجيش الروسي هناك. وكذلك قامت الصين ربيع عام 2016 بتعيين مبعوثها الخاص إلى سورية، في إشارة واضحة إلى توسع نشاطها الدبلوماسي، إضافة إلى استمرار عمل سفارتها في دمشق؛ مما يدل على إبداء القيادة الصينية اهتماماً متزايداً بتلك المنطقة.

وذكرت وكالة أنباء «شينخوا» الصينية أن الأدميرال غوان يوفيه -رئيس مكتب التعاون العسكري الدولي- زار سورية في النصف الأول من آب 2016، والتقى وزير دفاع الأسد فهد جاسم الفريج. ومن بين الأمور التي ناقشها الطرفان «إرسال مجموعة من المستشارين العسكريين الصينيين إلى سورية». وبعد ذلك استضافت دمشق اجتماعاً سرياً للأدميرال مع مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى، لم يتم الكشف عن تفاصيله.

كذلك صرحت تلك الوكالة أن المدربين الصينيين سيشاركون في إعداد الجيش السوري، وفي العمليات الإنسانية، وليس من المتوقع أن تكون هناك مشاركة مباشرة للبحرية أو جيش التحرير الشعبي الصيني في الصراع السوري. يعني هذا أن أجهزة الاستخبارات الصينية، التي تترصد نشاطات عناصر «الحزب الإسلامي التركستاني» الموجودين في مناطق جسر الشغور، لن تكون قادرة وحدها على العمل في المنطقة، بسبب غياب الوجود العسكري للجيش، والمسافة الكبيرة التي تفصلها عن حدود بلدها البعيدة.

ربما تكمن الحقيقة في مكان ما في الوسط. لذلك، حتى جريدة «غلوبال تايمز» (التي تعد أكثر المطبوعات قومية في الصين) قالت: إن مسؤولية المدربين الصينيين ستشمل تدريب القوات السورية على استخدام الأسلحة الصينية، مثل بنادق القنص والصواريخ المضادة للدبابات والمدافع الرشاشة. وبالتالي، فمن المرجح أنه في سياق هذا التدريب سيكون الخبراء العسكريون بالقرب من خطوط الجبهات. أضف إلى أن الأسد تسلم دفعة محرزة من الأسلحة الصينية الجديدة نهاية عام 2016.

رغم انضمام الصين غير المباشر إلى الاتحاد الروسي الإيراني الأسدي إلا أن الأمر معقد نوعاً ما بسبب عوامل سياسية خارجية عدة. فمن الواضح أن بكين غير مستعدة للتدخل بنشاط في الشرق الأوسط، ولذلك نجدها تتريث كثيراً حتى ينقشع الضباب وترى كيف تؤول الأمور، خوفاً من إفساد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية التي تحصل منها على النفط الرخيص، وكيلا تدخل في صراع مع تركيا أو مع إسرائيل. فهذه الدول ترتبط بشراكة تجارية مهمة معها، ومصالحها في الصراع السوري معقدة جداً ومتناقضة وغير واضحة تماماً.