مدارس الساحل السوري تتحول الى نواد لملء الفراغ وتمضية الوقت

امتنعت فاطمة (أم لطفلين) عن إرسال طفليها إلى المدرسة خلال الشتاء الماضي مدة ثلاثة أسابيع في ريف منطقة جبلة، بسبب العجز عن تأمين الوقود اللازم لتدفئة المدرسة، ما أدى الى إصابة أحد الأطفال بنزلة برد حادة. أمام هذا الواقع استعانت الأم بثلاثة مدرسين لتعويض ما فات الطفلين من دروس بتكلفة بلغت نحو 60 ألف ليرة سورية خلال هذه الأسابيع الثلاثة، وهو ما اعتادت الأم على دفعه بين فترة وأخرى، جراء تردي المستوى التعليمي بشكل عام في المدرسة.

تقول فاطمة "لا يمكنك الاعتماد على المدرسين في المدارس، ولا يمكن لأحد إجبارهم على إعطاء الدروس بطريقة مهنية ومجدية"، معتبرة أن المدارس "تحولت إلى ما يشبه الأندية يذهب إليها الأطفال لملء الفراغ وتمضية الوقت بعيداً عن أي تحصيل علمي جدي، لذلك لم يعد أمامنا من خيار سوى اللجوء إلى الدروس الخاصة في المنزل، أو الاستسلام للأمر الواقع وقبول المستوى الرديء الذي وصلت إليه المدارس".

تعاني جميع المدارس العامة في الساحل السوري من مشاكل أساسية تتفاقم عاماً بعد آخر رغم وجودها في مناطق لم تصل إليها ويلات الحرب. ويؤكد الأهالي أن التردي يعود أولاً إلى إهمال متفاقم لدى إدارات هذه المدارس انعكس حالة من الفلتان لدى المدرسين والطلاب على حد سواء، وثانياً إلى إهمال المدرسين بشكل كلي لتلامذتهم بهدف تحصيل المزيد من الدروس الخاصة التي تمكنهم من كسب مبالغ مالية تساعدهم على مواجهة ارتفاع الأسعار وسط رواتب متدنية للغاية.

يقول عبد الكريم (مدرس فيزياء في مدينة طرطوس): "في السابق كانت الأسرة بحاجة إلى دروس خاصة لأولادها في مادتي الرياضيات والفيزياء وأحياناً مادة اللغة العربية قبل امتحانات الشهادة العامة، أما اليوم فعلى الأسر التعاقد مع أساتذة لجميع المواد ولجميع الأبناء بغض النظر عن صفوفهم، لأنه لم يعد بالإمكان على الإطلاق الاكتفاء بما يقدمه الأساتذة في المدارس".

في الساحل تتفاقم المشكلة أمام انقسام المدرسة طبقياً، بين فئة تضم أبناء أسر ذات شأن في مناطقها، فيتحول أبناء الضابط أو قائد الميليشيا إلى ممثلين له في المدرسة يتجاوزون القوانين ويحولون الصفوف إلى أندية تسلية، وفئة فقيرة معدمة غير قادرة على استجلاب مدرسين خصوصيين إلى المنازل، ومضطرة إلى الاعتماد على الصفوف المدرسية بمستواها السيء.

يعطي منير (مدرس جغرافيا في ريف بانياس) أمثلة على ما يواجهه في مدرسته. يقول: "يدخل مؤيد وهو طالب في الصف العاشر مسلحاً بمسدس إلى المدرسة، يستعرضه أمام زملائه، في ظل غياب مدرّس اللغة العربية الذي اعتاد الغياب بسبب قضائه معظم الوقت متنقلاً بين المنازل لإعطاء دروس خاصة، فيما يقوم مدرس اللغة الإنكليزية بالتعويض عنه ويسعى جاهداً لضبط التلامذة، وبعد أن يفشل بنزع المسدس من يد التلميذ يكتفي بالطلب منه إخفاءه".

يضيف المدرس منير واصفاً الوضع المزري للمدرسة "في حال أردت كتابة ملاحظات على اللوح لا أجد الأقلام اللازمة باعتبار أن مجمل مخصصات المدرسة يتم سرقتها إما من إدارة التربية في المحافظة أو من إدارة المدرسة ذاتها، لذلك يعتمد غالبية الأساتذة على أقلامهم الخاصة، أو يجبرون على تلقين الدرس من الكتاب دون تسجيل ملاحظات على اللوح".

ويختم منير قائلاً "بين تلامذة يسعون لمتابعة الشرح عبر الكتاب بغياب الكتابة على اللوح، وبين تلامذة آخرين يركزون على مسدس زميلهم أكثر من تركيزهم على الكتاب، بإمكانك أن تتخيل كيف يجري التعليم في مؤسسة حكومية تدعى مدرسة".

بين مسدس بأيدي تلميذ، وأقلام مفقودة، ومدافئ مطفأة، وأساتذة غائبين، نصبح أمام جيل كامل لم يفهم أصلاً معنى المدرسة، ولم يسمع عن العملية التعليمية إلا ما تسرب عن فساد وزيرها، وأرقام المبالغ التي سرقت من خزينة الدولة تحت بند إعداد جيل المستقبل.