صورة لعبد الكريم القرمي لدى تلاوته بيان يحث فيه المسلمين على الجهاد ضد روسيا في القرم

قلما يأتي أحد على ذكر المهاجرين من شبه جزيرة القرم الذين جاؤوا للقتال في سورية، رغم وجودهم السابق في «جيش المهاجرين والأنصار»، ومشاركتهم الفعالة في الكثير من معارك الشمال السوري.

قبل ظهور داعش توزع المهاجرون من بلدان رابطة الدول المستقلة على مجموعات عرقية انتشرت هنا وهناك، لكن أغلبهم انضم في ما بعد إلى جيش المهاجرين والأنصار الذي تألف نصفه من الجهاديين الشيشان، وظهر عام 2012، بعد عام من بدء الثورة السورية.

عين الزعيم الشيشاني دوكو عماروف، الذي قتل عام 2014، عبد الكريم القرمي ممثلاً له في سورية. وهو من مواليد أوزبكستان عام 1974، لكن أصوله تنحدر من عائلة تتارية رُحّلت من القرم عام 1944. درس عبد الكريم الهندسة المعمارية في جامعة طشقند، وقاتل في الشيشان، وله باع طويل في مساندة جهاديي جمهوريات القوقاز ضد روسيا. سجن لأربع سنوات (2007 ـ 2011) بعد عودته إلى مسقط رأس عائلته في مدينة سيمفيروبول. يعدّ من مؤسسي جيش المهاجرين والأنصار في سورية، وصار نائب أميره. وكذلك أسس كتيبة «البيت القرمي»، التي أخذت تضم إلى صفوفها أغلب القادمين من شبه جزيرة القرم عبر تركيا القريبة.

وقد تمركز هؤلاء بداية في ريف حلب الشمالي، وبلغ عددهم 200 تقريباً، جلهم من شباب تتار القرم عديمي الخبرة، لذلك كانوا يُرسَلون غالباً لرعاية الجرحى، أو يُستخدَمون وقوداً للمعارك ضد قوات الأسد. وقد اشتكوا مراراً من استغلال المقاتلين الشيشان ذوي الخبرة لهم، والذين حاولوا دائماً دفعهم إلى الصفوف الأولى. ومع ذلك جلب مقاتلو القرم الشهرة أول مرة لجيش المهاجرين والأنصار في نيسان 2013، حين قاد أحدهم، واسمه رمضان، وأصله تتري من مدينة نيجنيغورسك، شاحنة تحمل 7 أطنان من المتفجرات مهد انفجارها لاقتحام مشفى الكندي في «معركة فك الأسرى» بحلب. رمضان شاب في منتصف العمر، التحق بالجهاد في اليوم التالي لوفاة والدته.

تشكيل «الدولة الإسلامية»، وانتشارها السريع، وسيطرتها على نصف أراضي سورية والعراق؛ لم يعجب العديد من الفصائل الجهادية الأخرى في سورية، لا سيما تنظيم القاعدة الذي حاول وضعها تحت سيطرته. وقد حدث صدام عنيف بين التنظيمين، ما جعل المجموعات الجهادية الصغيرة نوعاً ما في وضع حرج، وفرض عليها تحديد موقفها بسرعة. أدت المواجهة بين الكبيرين إلى انقسام أولئك المقاتلين، فغادر أمير جيش المهاجرين والأنصار، عمر الشيشاني، ونصف مقاتلي الجيش معه، ليبايعوا البغدادي ويصبح هو وزيراً لحرب داعش. في حين شكل خلفه سيف الله الشيشاني «جيش الخلافة» وبايع جبهة النصرة، لكنه قتل في إحدى معارك الهجوم على سجن حلب، ليأتي صلاح الدين الشيشاني ويعيد جيش المهاجرين والأنصار، مبايعاً أمير إمارة القوقاز أبو محمد الداغستاني.

بمناسبة مرور 70 عاماً على تهجير تتار القرم المسلمين، أصدر جيش المهاجرين والأنصار بياناً ألقاه عبد الكريم القرمي، حث فيه على الجهاد والعمل العسكري لمواجهة روسيا. ما دفع بجزء منهم إلى العودة إلى منطقة الدونباس أواخر 2014، والقتال مع الأوكرانيين ضد الروس الذين احتلوا شبه الجزيرة آنذاك.

في بداية عام 2015 قام جهاديو القرم بعصيان داخل جيش المهاجرين والأنصار، فقد أراد رمضان القرمي أن يستلم القيادة ويوقف وصاية الشيشان، مما تسبب في خروج قسم من جيش المهاجرين والأنصار وتشكيلهم «جماعة القرم» المستقلة تحت قيادته. في حين حفظ قسم آخر الولاء لنائب الأمير عبد الكريم القرمي و«البيت القرمي».

بعد هذا الانقسام ضعفت قدرتهم القتالية وقل عديدهم، ولم يعودوا قادرين على الرباط في الجبهات ولا حتى على الحفاظ على مواقعهم. وربما لذلك قاموا بتصوير فيديو ترويجي وهم يتدربون مع أطفال، لجذب دماء جديدة إلى صفوفهم والحصول على تمويل من شيوخ الخليج. وبعد ذلك عُين القاضي الشرعي السعودي المعتصم بالله أميراً لجيش المهاجرين والأنصار، ما جعل عبد الكريم القرمي والموالين له يفكرون جدياً في الانضمام إلى فصيل جهادي آخر.

في بداية تشرين الأول 2015 نُشر شريط على موقع يوتيوب، يُظهر عشرات من «جماعة القرم» يمتطون أربع بيكابات وشاحنة، مسلحين ببنادق كلاشنيكوف ومدافع رشاشة. تحدث الزعيم القرمي في جزء من الشريط بالروسية، داعياً جميع الجهاديين إلى التوحد تحت لواء «تنظيم القاعدة في بلاد الشام»؛ مبايعاً هو ومقاتليه زعيمه أيمن الظواهري. ونتيجة لذلك انضمت «جماعة القرم» التي انفصلت عن جيش المهاجرين والأنصار إلى جبهة النصرة، ومنذ ذلك الحين لم يعد يسمع شيء عنها. لا يوجد تأكيد على اختفاء جماعة القرم ولكن يعتقد أنها لم تعد موجودة، وإن وجدت فأعدادها ضئيلة وتأثيرها محدود جداً.