غابة اسمها الساحل السوري.. الخلافات بين النظام والميليشيات تشبه خلافات الميليشيات بين بعضها البعض

في قرية (بكسا) بريف اللاذقية ، اختلفت عائلتان على ملكية أرض قبل أيام، وبدأت حرب شعواء في القرية استخدِمت خلالها قنابل ورشاشات وبنادق إدت إلى سقوط جرحى، وحرق عدة سيارات، حادث الخلاف على الأرض  سُبقَ بحادثتين مشابهتين، واحدة في قرية (سقوبين) وأخرى في قرية (البهلولية)، سقط نتيجتهما جرحى أيضاً بسلاح العائلات المكدس في المنازل.

وفي بناء في حي عين إبراهيم في مدينة اللاذقية، وإثر خلاف بين أسرتين تسكنان البناء على قضية "شطف الدرج"، جرى اشتباك مسلح راح ضحيته جريحان أحدهما جراحه خطيرة.

حوادث كثيرة مشابهة تتكرر بشكل يومي في مدن وقرى الساحل السوري، وتمر أخبارها عابرةً على السكان الذين اعتادوا سماع أصوات إطلاق النار ورؤية اللهب يتصاعد من الأبنية والغابات، مدركين تماماً أن المسؤول عن ذلك ليست قذائف قادمة من مناطق سيطرة المعارضة، ولا هي طيارات إسرائيلية، إلا أنها خلافات شخصية بدأ عداد ضحاياها بالتصاعد، وتحولت التصرفات العنفيّة إلى أبجدية تعامل بين السكان، فمن مراهق يحرق غابةً بأركيلته انتقاماً من صديقه، إلى سائق سيرفيس يصدم شرطي سير عمداً فيقتله، إلى سيارات تقتحم المقاهي والجامعات والمدارس لتستعرض ما لدى أصحابها من أسلحة.

ففي طرطوس دوى صوت انفجار كبير في قرية (البصيصة) قبل أكثر من أسبوع، تبين فيما بعد أنه نتيجة استخدام قنبلة يدوية إثر خلاف بين شابين في مدرسة للتعليم الأساسي، وهو ما تكرر أكثر من مرة في مدارس طرطوس، نتيجة خلافات بين طلاب يحملون قنابل في جيوبهم.

ليس من الغرابة قبل عام 2011 حضور السلاح بكثرة في شوارع اللاذقية، فالميليشيات والعناصر المسلحة كانت على الدوام أحد أهم المظاهر الموجودة في المدينة، وإن بصيغتها غير المنظمة، والتي ما إن اندلعت الثورة السورية حتى اكتسبت الصيغة التنظيمية، مختلقة فوضاها الخاصة الجديدة بشكل واضح؛ فلم تستطع تنظيم كل تلك الفوضى بأكثر من توجيه السلاح تجاه كل معادٍ للنظام السوري، مدنياً كان أو مسلحاً، بعد أن كثفت من حالة استخدام السلاح وتوزيعه العشوائي على العناصر والحواجز، بغض النظر عن مستواهم العمري والذهني.

لم تخلُ شوارع اللاذقية قبل أعوام من حالات جرح وإطلاق نار بسبب خلافات شخصية، إلا أن ذلك كان يتم بطريقة مخفية إلى حد ما تقدّم نفسها على أنها بعيداً عن (أعين الدولة)، أو باستخدام السلاح الأبيض والبنادق الخفيفة على أبعد تقدير؛ إلا أن ما يجري الآن فاق المتوقع، وحوّل المدينة إلى شوارع عصابات، إن لم تشتبك مع (عدو خارجي) فهي قادرة على الاشتباك فيما بينها، باستخدام كل ما تملكه من سلاح.

لا سلطة لشرطي أو رجل أمن أو ضابط جيش في الساحل السوري اليوم، بل إن العصابات المنتمية إلى عائلات تملك سجلاً غنياً في مختلف الانتهاكات من قتل إلى خطف وتعذيب واغتيال وتهريب وتجارة آثار، هي التي تحكم الساحل بكل قراه ومدنه، العائلات التي لم تعد تقتصر على الأسد ومخلوف وشاليش، وما هو مشهور في الذاكرة السورية؛ بل تفرعت وتشعبت نتيجة تكوين ميليشيات جديدة خلال السنوات السابقة جعلت نسبة كبيرة من العائلات، التي لم تكن متنفذة سابقاً، صاحبة قرار، وقادرة على المواجهة بما تملك من سلاح، أمام أعين دوائر النظام ومؤسساته الأمنية والعسكرية.

لا تظهر دوائر النظام ومؤسساته -أصلاً- اعتراضاً واضحاً على تلك الممارسات، بل إن خطواتها السابقة لقمع بعض قادة الميليشيات، لم تكن أصلاً بهدف تخفيف الفوضى في الساحل بقدر ماهي أيضاً خلافات بين النظام وبين تلك الميليشيات، تشبه خلافات الميليشيات بين بعضها البعض.. باستثناء ما تم حلّه بطلب روسي، كون الساحل اليوم -ومهما كبرت رؤوس الزعامات المحلية فيه- يبقى مطار حميميم الأقدر على إخضاعه بجولة طائرة روسية واحدة في سمائه.