سوتشي بين طائرتين وسماء دمشق العزلاء

انقشع غبار مؤتمر سوتشي، أو كاد، عن فشل سياسي روسي، لتقوم بعد أيام احتمالات، انطفأت سريعاً، لحرب إقليمية بين إسرائيل ونظام بشار الأسد ومن خلفه إيران وحزب الله.

لا يبدو الحدثان مترابطين للوهلة الأولى، غير أنّ ما من حدث سوري لا ينتظم في سلسلة العلّة والنتائج منذ سبع سنوات، وهما السياسة الفاشلة في سوتشي، والحرب المكتومة على حدود الجولان المحتل، وصولاً إلى دمشق وعمق البادية. تجليّان ساخنان لما تحمله الوقائع السورية من تضاد سوريالي.

في سوتشي باء مسعى بوتين –فالمؤتمر فكرته أساساً- لتعويم الأسد بالفشل، عبر مهرجان خطابي محسوب بدقة، فالمعارضة في واجهتها المقبولة دولياً سحبت منه صفته المكافئة لجنيف بمقاطعته، ولم يفلح طاقم المهرجين الذين أرسلهم الأسد سوى في إثارة سخرية السوريين، بأدائهم الرديء لأغنية حماسية لا تصلح إلا لوطن سليم، وحتماً ليست سوريا المثخنة بالجراح والمختنقة بروائح الجثث والأسلحة الكيماوية. 

خرج النظام مُحرجاً من نتيجة وحيدة للمؤتمر، أحيلت إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في صورة لجنة دستورية، مالبث بشار الجعفري أن تمرد عليها، ليقتل آخر مؤشرات وجود مؤتمر بقيت منه صورة وفد جائع، يتناهش خبز البيغل الأميركي وحساء البصل الروسي.

وكما بدأنا، لا يصعب إيجاد حياكة لتوالي الأحداث في سوريا، إيران تريد التذكير بوجودها الذي غاب في سوتشي، إزاء تركيا التي كانت ثقلاً موازناً وفاعلاً، وروسيا تريد الانتقام لطائرة أُسقطت في إدلب، فقيل إنه تم نصب كمين لطائرة إسرائيلية، وأَسقطت فعلاً، بعد تحرش بطائرة بدون طيار، وتلقت إسرائيل صفعة لم تعتدها منذ ثلاثين عاماً.

طار معسكر الممانعة فرحاً، وانتشى بردّ لم يعهده أيضاً منذ ثلاثين عاماً، وأعلن انتصاره، فيما كانت موجتان من القصف والغارات الإسرائيلية تحرق نحو نصف دفاعات النظام الجوية، وتدمر 12هدفاً عسكرياً، أربعة منها إيرانية، من حوران إلى محيط دمشق، وصولاً إلى مطار التيفور، وتترك العاصمة عزلاء من أيّ حماية جوية. 

لكن نظام الأسد، كأي تنظيم إرهابي آخر، مصمم كي يمكنه إعلان النجاة والنصر، طالما بقي رأسه قادراً على الظهور. وهو ما ينطبق على حليفيه حزب الله وإيران، اللذين ابتلعا لسانيهما خلال ورطة النظام العسكرية الساخنة، وخرجا ليعلنا انتصاره قبله، ما إن نجح تدخل رئاسي روسي في إقناع إسرائيل بأن ما دمرته يكفي، كانتقام يترك الباب مفتوحاً لأي طائرة تريد قصف دمشق أن تحلق فوق قصر الأسد «المنتصر» بأمان.