روسيا تفوز بالفوسفات السوري والفتات المشع لإيران

فواز الفارس – مصطفى أبو شمس

تتموضع تكشفات خام الفوسفات السوري في مكامن الشرقية وخنيفيس على أعماق وسطية تقدر بـ 20 متراً، وبسماكة خام تصل حتى 25 متراً وسطياً، بمساحة مقطع مدروس 68 كيلو متراً مربعاً في الشرقية و63 كيلو متراً مربعاً في خنيفيس، وفق دراسة مسحية أجرتها المؤسسة العامة للجيولوجيا.

هذا التموضع يكشف عن مبالغ هائلة من الدولارات تقدر بـ (ميزانية سوريا لـ 55 عاماً)، وتتزاحم عليه الدول الحليفة لنظام الأسد كحصة لها من الحرب السورية الساعية لتثبيت الأسد في الحكم، لضمان حقها في اتفاقيات غامضة غابت تفاصيلها وبنودها، وظهرت على شكل وجود عسكري لتلك القوى في هذه المناطق. لتحصل روسيا على المناجم الأهم في الشرقية، وتكتفي إيران بما يحمل في طياته (الفلزات المشعة) من خام الفوسفات في خنيفيس، بينما يُسترضى حزب الله بـ حصة من خلال شركة بيار فتوش، ويغيب الشعب السوري عن هذه الاتفاقيات ليبقى تحت خط الفقر.

الصراع على الفوسفات (اتفاقيات متناقضة)

لم يتوقف استخراج الفوسفات من قبل النظام السوري حتى سيطرة داعش على مناجم الفوسفات في البادية السورية (ريف حمص الشرقي) في 21/5/2015، على الرغم من قرب فصائل الجيش الحر من خط النقل الحديدي في منطقة (مهين والقريتين)! ودخولهما إلى المنطقة في معارك كر وفر، كانت تؤدي في كثير من الأحيان إلى أضرار في الخط الحديدي، سرعان ما يُعاود نظام الأسد إصلاحها في كل مرة. وهو ما يُظهر أهمية خاصة عند حكومة الأسد لإيلاء هذا القطاع أهمية كبرى خسر في سبيلها في كل المراحل (200 عامل قتيل و164 جريحاً و120 مفقوداً)، وفق إحصائيات وزارة النفط والثروة المعدنية في شباط 2018.

مع سيطرة داعش على المنطقة الفوسفاتية اقتصرت الأضرار على المعدات والآليات التي أخذها التنظيم من مواقع المناجم، ولم يُحاول الاستفادة أو الاستثمار في مجالي الفوسفات والغاز على عكس النفط، وذلك لعدم توفر ميناء بحري لنقل تلك المواد الخام، وغياب تجار السوق السوداء الذين كان يعتمد عليهم داعش في استثماره في مجال النفط عن الفوسفات.

لم توقّع حكومة الأسد أي اتفاق في المرحلة الأولى بعد استعادتها للمناجم من داعش في آذار 2016، وبدأت بإعادة تأهيل خط سكة الحديد المتضرر بمسافة (168 كم) من خنيفيس مروراً بـ مهين إلى مدينة حمص، ليُعاود داعش السيطرة على المنطقة في كانون الأول 2016 ولتبدأ مرحلة الاتفاقيات.

في ظل وجود داعش في المنطقة وقّعت حكومة الأسد، متمثلة بشخص رئيس الوزراء (عماد خميس) أثناء زيارته إلى طهران في 16/1/2017، على عقد استثمار مناجم الفوسفات في خنيفيس في ريف حمص، واتّفق الطرفان حينها على تسديد الديون عبر منح إيران الفوسفات السوري، وتأسيس شركة مشتركة بهذا الغرض تُشرف على الاستخراج وتصدير الإنتاج إلى إيران، عبر خط نقل بري يصل إيران بمناجم الفوسفات السورية مروراً بالعراق. بدأ الحديث عنه في حزيران 2017، وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إن الخط البري يضم أربعة مسارب، وتم تنفيذ الجزء المخصص من الطريق في الأراضي الإيرانية.

لم يُعجب روسيا، الحليف الأقوى للأسد، توقيع الاتفاقية مع إيران، فأرسلت مبعوثها نائب رئيس الوزراء الروسي «ديمتري روغوزين» مع وفد اقتصادي، بعد يومين فقط من زيارة خميس إلى طهران، هذه المرة كان التوجه إلى الأسد شخصياً، ليخرج بعده «روغوزين» بتصريح إلى وكالة انترفاكس الروسية في 18/1/،2017، قال فيه «إن بلاده دون غيرها ستساعد سوريا في إعادة بناء منشآت الطاقة بها، وإنه في سوريا يوجد أكبر حقل فوسفات يمكن الاستثمار فيه، فمنتجاته مطلوبة في العديد من البلدان» وأضاف «نحن نعمل على الحقل والنقل، وتسليم الفوسفات المعالج إلى دول أخرى تنتظر هذه المنتجات»، واعتبر ديمتري أن مصلحة الشعب الروسي تأتي في المقام الأول بالرغم من الصداقة التي تربط روسيا بسوريا.

أسفر هذا اللقاء عن توقيع مذكرة نوايا بين وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة إيبك الروسية، بهدف استثمار الفوسفات والتعاون في مجالات الطاقة الأخرى في بداية نيسان 2017، صادق على الاتفاقية في 23 نيسان 2017 بشار الأسد شخصياً بين المؤسسة العامة للجيولوجيا السورية وشركة ستينغ لوجستيك الروسية التابعة لمجموعة تروي ترانس غاز وهي جزء من شركة إيبك، تهدف إلى صيانة للمناجم وخدمات الحماية التي أوكلتها لشركة يوروبوليس (فاغنر) مقابل حصولها على 25% من الإنتاج.

في أيار 2017 أعاد نظام الأسد السيطرة على مناجم الفوسفات، وطرد داعش منها بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، لتصادق الهيئة الاستثمارية السورية في 1/6/2017، بعد أقل من شهر على السيطرة، على ترخيص خمسة مشاريع استثمارية لرجل الأعمال اللبناني بيار فتوش وشركائه (الرجل المقرب من علي مملوك، والذي تعدّ أعماله حديقة خلفية لعائلة الأسد وحزب الله في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الدولية، من خلال إدارة مشاريعهم في المنطقة، بحسب وسائل إعلام لبنانية) من ضمنها استخراج الفوسفات الخام في حمص لمدة ثلاث سنوات، و بـ طاقة إنتاجية تصل إلى 10 ملايين طن سنوياً في الوقت الذي كان فيه الاستثمار قبل 2011 لا يتجاوز (3.5 مليون طن) سنوياً في المؤسسة العامة للفوسفات.

الفوسفات في سوريا بالأرقام

يُقدّر احتياطي الفوسفات في سوريا بأكثر من 2.1 مليار طن، وفق المؤسسات العامة للجيولوجيا ودراسات أكاديمية عن المنطقة، ويتوزع القسم الأكبر منه في منجمي الشرقية وخنيفيس جنوب غرب تدمر، التي تحولت إلى مستوطنة إيرانية بزعامة روسية انظر مادة عين المدينة -تدمُر مستوطنة إيرانية بزعامة روسية والنظام يمنع أهلها من العودة-وتصنف سوريا من حيث الاحتياطي المأمول لخام الفوسفات في المركز الأول عالمياً، والخامسة على مستوى الإنتاج والتصدير.

إجمالي احتياطي الفوسفات في مكامن الشرقية (المسيطر عليها من قبل القوات الروسية 1.7 مليار طن، في حين يبلغ احتياطي مكامن خنيفيس (المسيطر عليها من قبل إيران) 400 مليون طن. ويبلغ سعر الطن الواحد بحسب الأسعار العالمية في نيسان 2018 (173) دولاراً، وتتراوح أسعار المركبات الفوسفاتية من 100-200 دولار لكل اكيلو غرام.

وتعدّ مكامن خنيفيس هي الأهم من الناحية العلمية وذلك لارتفاع نسبة خماسي أكسيد الفوسفور(p2o5) بحوالي 34%، وانخفاض الثابتة الحجمية إلى مادون 2.9، ما يجعله نشطاً إشعاعياً، وغزيراً بالعناصر النادرة التي تبلغ (300 فلز مشع تقريباً)، وعلى رأسها (اليورانيوم والسميكت والفرانكوليت). وتشير الدراسات إلى تواجد 70-140 غرام في الطن من عنصر اليورانيوم في فوسفات خنيفيس، وبنسبة أقل منه في الشرقية، إذ تتراوح نسبة خماسي أكسيد الفوسفور من (20-30%).

الفوسفات السوري والتعتيم الإعلامي

رافق التعتيم الإعلامي والحكومي الدراسات التنقيبية والاستكشافية لخام الفوسفات منذ ولادته عام 1962، إذ قامت شركة تكنوإكسبورد السوفيتية (آنذاك) بتنفيذ أول دراسة جيولوجية تنقيبية لمختلف مساحة المنطقة التدمرية، وكانت أول من قيّم احتياطي خام الفوسفات ومحتواه من العناصر النادرة أو عناصر الأثر المرافقة، وحينما طلبت المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية السورية عام 1991 استلام أرشيف المنطقة من الشركة، قامت بإعطائها جزءاً من أرشيف المنطقة المتعلق بتقديرات الاحتياطي الكلي وآليات الاستخراج وكيفية الاستثمار، وأغفلت إعطاء معلومات تتعلق بآلية غسل وفصل المركبات الفوسفاتية والعناصر الثقيلة المرافقة له، وفق الجيولوجي غسان عثمان، رئيس دائرة المواد المعدنية واللامعدنية رئيس مشروع الفوسفات، في دراسة قدمها للمؤتمر الجيولوجي الثاني عام 2009.

واستمر هذا التعتيم حول اتفاقيات خام الفوسفات حتى اليوم، إذ لم تُطرح إلى العلن بنود الاتفاقيات السورية الروسية الإيرانية فيما يتعلق بآلية استثماره، والكميات المتوقع استثمارها سنوياً وحصة حكومة الأسد منها، واكتفت بالتصريح بالاتفاقيات بخطوطها العريضة، إذ ورد على لسان وزير النفط والثروة المعدنية (علي سليمان غانم) في شباط 2018«توقيع خارطة طريق تستهدف كل مجالات قطاع الطاقة مع وزير الطاقة الروسي، وإنشاء مركز أبحاث روسي في دمشق، وتطوير الفوسفات واستثماره استثماراً تشاركياً»، مغفلاً ذكر إيران في أي من هذه الاتفاقيات. كما قام مدير عام شركة الفوسفات في حمص بالطلب من الصحفي «مصطفى برو»، بعد لقاء نشره في جريدة تشرين ضمن فقرة اقتصاد محلي بتاريخ 6/10/2017، شطب كل ما يتعلق بالحديث عن العقد الموقع مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية، وذلك بعد أن اتصل بالوزارة المختصةّ!

هل يستحق الفوسفات السوري هذا الصراع

إن انتشار الفوسفات على هيئته السطحية في سوريا، (على بعد 20 متر فقط من السطح)، وغناه بالفلزات المشعة يجعله الخام الأهم والأبرز حالياً، فلم تستثمر سوريا خلال السنوات الماضية منذ عام 1991 وحتى 2009 سوى 0.017% من احتياطي الفوسفات، هذه الأهمية سواء لحكومة النظام من خلال اعتمادها على حصتها من الاتفاقيات وهو ما سيورّد لها أرقاماً مالية هائلة، أو لحلفائها الذين سيطروا على هذه المناجم، ليتقاضون سلفاً ديونهم المترتبة على حكومة الأسد خلال دعمهم العسكري له خلال السنوات الماضية.

 

ولروسيا حصة الأسد في هذه الاتفاقيات، وهذا ما يفسر التناحر بين الحلفاء، وتكليف شركات خاصة بحماية هذه المكامن، حتى وإن وصلت حصتها إلى 25% من الإنتاج. فالشعب الروسي على حد قول روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي «ينتظر كل روبل صرف على الحرب في سوريا، وينتظرون المكاسب من العمل الكبير لروسيا في سوريا».

في الطرف المقابل تُظهر إيران غضباً وتململاً من الدور الروسي الساعي إلى تهميشها، فبحسب مقالة نشرتها صحيفة «قانون» المقربة من التيار الإصلاحي في الحكومة الإيرانية جاء فيها أن «العالم يدرك أننا تحمَّلنا تكلفة بقاء الأسد في رئاسة سوريا، ودفعنا ثمناً باهظاً لذلك، ولكن اليوم يبدو أن حصتنا في بازار الشام ستكون لا شيء رغم جهودنا وتضحياتنا»، واصفة الأسد بـ«المخنث الجبان –ناكر الجميل». فيما شن موقع «تابناك» المقرب من المرشد الأعلى في إيران هجوماً على روسيا، معتبراً الاتفاقيات التي تمت بين النظام السوري وروسيا «خدعة روسية سيئة للإيرانيين في سوريا»، وذلك لاستبعاد الشركات الإيرانية من عملية إعادة الإعمار والاستثمار في سوريا.