لم تكن رحلة الوصول إلى أوروبا نهاية مآسي اللاجئين السوريين، بل ربما كانت البداية بالنسبة إلى بعضهم الذين ما زالوا في انتظار لمّ شملهم بأسرهم الذي اصطدم بالكثير من العوائق التي تتمثل في تباين القوانين التي تخص اللاجئين من دولة إلى أخرى، ومن مقاطعة إلى شقيقتها، بالإضافة إلى الجهل باللغة وسوء الترجمة، مروراً بالبيروقراطية وتأخر الإجراءات والتكلفة المادية الثقيلة التي لا يستطيع الكثير من اللاجئين تحملها.
قدرت الأمم المتحدة، في تقريرها الصادر في بداية الشهر الحالي، عدد اللاجئين السوريين بـ4.9 مليون. وتعد ألمانيا أكثر الدول الأوروبية استقبالاً لهم، إذ يقدر عددهم فيها بأكثر من 800 ألف. وهذا العدد مرشح للزيادة نتيجة الهجرة المستمرة وطلبات لمّ شمل المتراكمة في السفارات الألمانية في معظم البلدان التي يوجد فيها سوريون. وربما كانت السفارة الألمانية في القاهرة هي الأكثر تعقيداً في النظر إلى طلبات لمّ الشمل بحسب معظم الذين تواصلنا معهم في مصر التي تضم 131 ألف سوري بحسب إحصائيات مكتب الهجرة واللاجئين هناك.
من حقنا أن نكون مع عائلاتنا
منى (30 عاماً) واحدة من اللاجئات السوريات اللواتي تحملن عبء الرحلة إلى ألمانيا عبر تركيا، قادمة من مصر التي لجأت إليها منذ عام 2013 مع زوجها، لتصل إلى ألمانيا منذ سنة ونصف. بدت السيدة منى حزينة وهي تتحدث عن قصتها مع لمّ الشمل بعد أن تركت زوجها في مصر لتخاطر هي بالرحلة البحرية، ظناً منهما أن الطلب سيكون أسهل في حال كانت مقدمته أنثى. ولكن الذي حدث أنه بعد وصولها إلى ألمانيا وحصولها على الإقامة الصالحة لمدة 3 سنوات، التي تؤهلها لطلب الشمل؛ بدأت المعاناة مع السفارة الألمانية في القاهرة بعد استكمال جميع الأوراق المطلوبة وحجز موعد لزوجها.
السفارة التي قابلت زوجها لم ترسل أي رد بخصوص المعاملة منذ سنة تقريباً، وما زالت منى تبحث عن الأسباب. «الموظفون في منطقة بريمن التي أسكن فيها متعاونون ورأوا أن لا أسباب للرفض، ولكن السفارة سلطة عليا وعلينا أن نطيع القرارات وننتظر»، كما تقول منى. يعرفون في السفارة أن باستطاعتي في حال الرفض أن أرفع دعوى قضائية ضدهم، وفي الغالب سأكسبها، ولذلك لم يصل إلى الآن أي رد مكتوب. كل ما قالوه كان شفهياً ويتلخص في أن زوجي «في مكان آمن ويعيش في ظروف جيدة ولا يمكن إعطاؤه حق اللجوء بناء على ذلك»، على الرغم من أن القانون في ألمانيا يقول إن «لمّ الشمل يكون بناء على احتياج الشخص الموجود في ألمانيا وليس العكس».
فادي، زوج منى، قال لـ«عين المدينة» إنه احتاج إلى شهرين ليتمكن من حجز موعد في السفارة ليقدم الأوراق المطلوبة ويدفع الرسوم البالغة 60 يورو، فضلاً عن تجهيز الأوراق وتصديق عقد الزواج وترجمتها التي كلفت ما يقارب 600 جنيه مصري لتجري المقابلة: «اكتفوا ببضعة أسئلة وقالوا إنهم سيبلغوني النتيجة على الإيميل». انتظر الزوج لشهرين ولكن الرد لم يأت فأرسل إيميلاً للسفارة للاستفسار فجاءه الرد مختصراً يكرر أنهم من سيبلغه بالنتيجة، طالبين عدم الاستفسار ثانية. بعد شهر اتصلت إحدى العاملات في السفارة به لسؤاله عن بعض المعلومات التي كان أهمها إن كان يوجد جواز سفر سوري مع زوجته، وطلبت منه إرسال الرد عبر الإيميل. ليفاجأ بعد شهرين باتصال الموظفة مرة أخرى للسؤال عن الأمر نفسه، وحين أجابها أنه أرسل الرد بالإيميل كما طلبت اكتفت بالبحث على الايميل لدقائق وإخباره: «إي تمام».
منذ أيام طلبوا من الزوجة عقد استئجار منزل في ألمانيا، وما يثبت أنها قد تقدمت لدراسة اللغة، وعقد عمل للموافقة على طلب زوجها، رغم أن هذه الشروط مطلوبة من طالبي الكفالة لا لمّ الشمل.
تنهي منى كلامها: «لو بعرف هيك ما كنت إجيت عألمانيا. كل هالقتال بشان حق من حقوقي بتكفله القوانين الألمانية».
فيزا بالغلط!
في إحدى المقاطعات التابعة لشمال الراين تقطن السيدة سعاد، القادمة مع ابنتيها إلى ألمانيا منذ سنتين، في حين بقي زوجها وثلاثة من أولادها في مصر. وبعد أن قدمت طلب لمّ الشمل وتمت الموافقة عليه أعطيت الفيزا لزوجها وأولادها. دفعت المرأة التأمين البالغ 560 جنيهاً عن الشخص الكبير (فوق 18 سنة) و280 جنيهاً عن الصغير، واشترت بطاقات الطائرة (4900 جنيه للشخص)؛ ولكن السفارة الألمانية، وقبل أربعة أيام فقط من موعد السفر، أبلغتهم بإلغاء الفيزا بحجة أنها أعطيت بالخطأ، لتخسر المرأة بذلك رؤية زوجها وأولادها والمبالغ التي دفعتها.
كان هذا قبل تسعة أشهر. ومنذ ذلك الوقت والسيدة سعاد تحاول معرفة سبب هذا الخطأ وعلى من تقع المسؤولية ولكن دون جدوى، ما دفعها إلى رفع دعوى قضائية على السفارة الألمانية في القاهرة: «يتقاضى المحامي 200 يورو لقاء كل إيميل يرسله، عدا التوكيل الذي دفعته، وهو 80 يورو عن كل شخص».
تعقيد معاملات القصّر
قالت السيدة حنان، التي سافر أولادها مطلع عام 2015 واستقروا في مدينة فرانكفورت، إن ولدها علي (17 عاماً) تقدم بطلب لمّ الشمل لها ولزوجها ولطفلها الصغير محمد، بعد أن حصل على الإقامة الدائمة. كانت الأمور سلسة، وجرت المقابلة بشكل جيد، واستكملت العائلة جميع الأوراق المطلوبة، لتأتي الموافقة على لمّ شمل الأب والأم ورفض الطفل محمد ذي السنين الخمس.
وقتها كانت خمسة أيام تفصل علي عن إتمام الثامنة عشرة، وهو ما يلغي حقه في طلب لمّ شمله مع أبويه، فلم يكن أمام العائلة خيار إلا ترك الصغير محمد عند إحدى العائلات السورية والسفر إلى ألمانيا والمتابعة من هناك، حيث يحق للأم لمّ شمل ابنها القاصر.
في ألمانيا، وبعد ستة أشهر، حصلت السيدة حنان على إقامة حماية لسنة واحدة، مما لا يؤهلها لطلب لمّ الشمل، ليبقى الطفل محمد في مصر بعيداً عن عائلته حتى اللحظة، وما زالت الأم تحاول الطعن في قرار المحكمة.
أما عدنان، الذي كان في السادسة عشرة حين وصل مع عمه إلى ألمانيا، فيقول إن المحكمة لم تعطه الإقامة (سواء الحماية أو الدائمة) حتى تجاوز الثامنة عشرة بشهر. ويوضح: «في كل مرة كنت أراجع فيها مكتب شؤون اللاجئين كانوا يردون عليّ أن الأمر ما زال في القضاء وأن علي الانتظار، حتى فقدت حقي في طلب عائلتي بعد سنتين من الانتظار».
قوانين متباينة ومترجمون متعصبون
تختلف القوانين المتعلقة باللاجئين السوريين من مقاطعة إلى أخرى. إذ تقول ندى سليم، وهي محامية من أصول لبنانية في فرانكفورت، إن بعض المقاطعات «قررت أن ينال جميع اللاجئين بين عمر 20 و42 سنة حق الإقامة لمدة 3 سنوات، ما يؤهلهم لطلب لمّ شمل عائلاتهم، بينما قررت مقاطعات أخرى أن هذا الأمر يتعلق بكل ملف على حدة، وأن هذا الحق يُمنح فقط للمستهدفين بشكل شخصي بالخطر، شرط إثبات ذلك بالأوراق. وهذا الأمر شبه مستحيل، فكيف يستطيع شخص مطلوب من قوات دولة ما أن يأتي بورقة تثبت أنه مطلوب؟ وفي حال عدم الإثبات تعطيه المحكمة حق الحماية، وهي الإقامة لمدة سنة قابلة للتجديد، ولا يحق له بموجبها لمّ الشمل». وعند الحصول على الحماية لمدة سنة يحق للاجئ أن يطعن في الحكم خلال 15 يوماً من صدوره، ولكن الكثير من اللاجئين لا يعرفون ذلك بسبب جهلهم باللغة والمترجمين الذين يتحرك بعضهم لأسباب أخرى...
السفارة الألمانية في القاهرة
إذ يقول المهندس أحمد عبد الرحمن، الذي يسكن في ولاية راي لاند بفلاتس: «أخي بصراحة، معظم المترجمين هنا هم من الشيعة العراقيين أو اللبنانيين، وهم غير متعاطفين مع اللاجئ السوري على وجه العموم، لأسباب طائفية. وربما اقتطعوا من شهادته أمام المحكمة ما يتعلق بسبب لجوئه أصلاً، من حرب النظام على هذه المنطقة أو تلك وتعرّضه للخطر. وهناك مترجمون آخرون من الأكراد العراقيين الذين يظهرون مشاعر عداء قومي للعرب أو تذمراً من اللاجئين السوريين على الأقل. أحياناً يتغير نوع الإقامة التي تحصل عليها نتيجة هذا النقص في الترجمة، وغالباً ما يفقد اللاجئ حقه في الكثير من الأمور التي هناك مدة للاعتراض عليها نتيجة إهمال المترجم إبلاغه بذلك بقصد أو دون قصد». ويبين أحمد أن تكلفة توكيل المحامي باهظة في ألمانيا، إذ تصل في أغلب الأحيان إلى أكثر من 1800 يورو، ومعظم اللاجئين لا يملكون هذا المبلغ.
وعن هذا الأمر تقول ندى سليم إن الكثير من المحامين العرب يقبلون بتقسيط تكلفة الدعوى بشكل شهري، وذلك لعلمهم بمعاناة اللاجئ، وأنه في حال ربح الدعوى ستتكفل المحكمة بكامل الأتعاب ويعاد المبلغ المدفوع إلى اللاجئ من قبل المحامي.
وعن سبب رفض بعض طلبات لمّ الشمل تقول المحامية: «لا توجد قوانين ثابتة في ألمانيا بخصوص لمّ الشمل. وتقع دراسة الملفات على عاتق السفارة التي تمثل السلطة الأعلى في هذا الشأن. في بعض الحالات، حين يكون الرفض نتيجة خطأ موظف أو خطأ في بعض الأوراق، نرفع دعوى لتصحيح الأمر».