الغزو الروسي: أن تكون سورياً في أوكرانيا

جدارية في بنّش ـ إدلب

منذ أن بدأت روسيا تهديداتها باجتياح أوكرانيا وحكومات الدول تخطط لإجلاء رعاياها أو تحاول الوصول إليهم وتقديم النصائح لهم كي لا يتعرضوا للأذى، لكن السوريين على الرغم من عددهم القليل، لم يتمتعوا بهذه الرفاهية.

وفقاً لإحصائيات غير رسمية يبلغ عدد السوريين في أوكرانيا 3600 سوري، منهم حوالي 890 طالباً إضافة إلى حوالي 4200 سوري حاصل على الجنسية الأوكرانية، لا توجد جهة رسمية ترعى شؤونهم باستثناء بعض الجمعيات الإسلامية بقدرات متواضعة لجأ إليها بعض السوريين في أوكرانيا، إضافة إلى مكتب غير رسمي لرعاية السوريين أسسه طلاب معروفون بولائهم للنظام السوري، ويستهدف المكتب الطلاب المعروفين بذات التوجه.

"أشعر بالحسرة وأكره أني ولدت في سوريا، عندما أرى وأسمع عن رعايا الدول الذين يتواصلون مع سفارات بلدانهم" بهذه الكلمات تبدأ ليلى الشامي كلامها. ليلى طالبة دكتوراة في كلية الصيدلة في جامعة أوديسا لا تزال عالقة في بولندا، تتابع "وصلت إلى أوكرانيا 2012، ومنذ ذلك الوقت قررت عدم العودة إلى سوريا".

منذ بداية الغزو الروسي أخذت الأحداث بالتسارع، وخصوصاً بالنسبة إلى السوريين، إذ بدأ الرعايا الأجانب يحزمون حقائبهم للعودة إلى بلدانهم، أما السوريون لا يعرفون ما يفعلون في ظل عدم وجود ممثل لهم، فما كان لهم إلا محاولة الصمود أو التوجه إلى الدول المجاورة، لكن الخيار الأخير صعب جداً في ظل تقطع الطرق نتيجة العمليات العسكرية وانتشار عصابات تمتهن السرقة، إضافة إلى أن دول الجوار تشدد حتى الآن الإجراءات على حدودها بوجه الجنسيات الأخرى غير الأوكرانية إلى أراضيها.

تقول ليلى "وصلت إلى الحدود البولندية بعد رحلة استغرقت يومين مع شخص عراقي أوكراني أخذ مني مبلغ 3500 دولار مقابل إيصالي إلى الحدود. اضطررت إلى خلع الحجاب والتكلم باللغة الأوكرانية لضمان دخولي دون مضايقات من حرس الحدود البولندي".

لا تحمل ليلى معها الأوراق التي تثبت بأنها طالبة دراسات عليا، ولا إثباتات شخصية لديها سوى جواز السفر السوري عديم القيمة، وتحاول في بولندا أن تجد طريقة تصل من خلالها إلى أخيها في فرنسا. لكن حظها أوفر بكثير من سوريين لا زالوا عالقين في المدن الأوكرانية، مثل محمد وزوجته حلا وابنتهما العالقون في مدينة خاركيف، التي تشهد عمليات عسكرية مكثفة من قبل القوات الروسية للسيطرة عليها.

يشرح محمد ظروف بقائه في المدينة قائلاً: "حاولت إخراج زوجتي وابنتي، لكن المعارك تسارعت بطريقة فاقت توقعاتي، ما اضطرني إلى البقاء معهم. نقضي وقتنا الآن في الملاجئ مع بقية من بقي، ولا زلنا ننتظر وقف العمليات وفتح ممرات لخروج المدنيين".

بينما تتكلم زوجته حلا وتخنقها الدموع "قدرنا الحرب والخوف من القصف والخوف من الموت.. عشت هذه الأيام في حمص 2012؛ يا الله لا نهاية لهذا الخراب. حين ولدت ابنتي قلت لنفسي بأنها لن ترى ما رأيناه، ولكن هذا قدر السوريين.. أنا نادمة على إنجابها، لا أريد أن تعيش ما عشناه.. ما ذنبها؟" ويختفي كلامها مع نوبة بكاء هستيرية.

وشهدت مدينة خاركيف التي يسكنها حوالي 210 طلاباً سوريين إضافة إلى 800 شخص سوري من شرائح مختلفة، عمليات روسية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية شملت حواجز حدودية حول المدينة، وفي مختلف أرجاء منطقة خاركيف بشكل عام حتى المدنية منها، ولا زال الحديث يجري عن فتح ممرات آمنة لكن دون الوصول إلى اتفاق بشأنها حتى هذه اللحظة.

من العاصمة يتحدث حازم طالب الطب البشري في جامعة كييف، عن وضعه في ظل الحرب قائلاً "مثل بقية السوريين الذين يحركهم خوفهم ولا توجد جهة يستطيعون التواصل معها. والدي يريد مني العودة إلى سوريا، وهو دائم التواصل بمعارفه من الشخصيات الأمنية والدبلوماسية في سوريا لكن لا يلقى استجابة. نصحوه بأن أبقى في كييف إلى حين سيطرة القوات الروسية عليها، ومن ثم العودة إلى سوريا بالتنسيق مع السفارة السورية في روسيا".

ويكمل حازم "لن أستمع إلى جنون والدي، وسأشق طريقي إلى غرب أوروبا حيث الحاضر والمستقبل، قد لا تأتي الفرصة مرة أخرى. اتفقت مع سمسار لإيصالي إلى الحدود البولندية مقابل 4000 دولار، ومن ثم مهرب لإيصالي إلى هولندا مقابل 5000 يورو، لكن لا شيء مضمون، فأن تكون سورياً معناه أنك عرضة لكل المخاطر الممكنة، لكن لا خيار آخر.. يجب أن أخرج قبل ان تحاصر القوات الروسية مدينة كييف".

خلود وقصي أخوان سوريان قدموا من الإمارات إلى أوكرانيا منذ عامين للدراسة الجامعية في أوديسا، فأقساط الجامعة في الإمارات تفوق قدرة ذويهم، وخيار أوكرانيا هو الأفضل. تقول خلود "نمتلك إقامة في الإمارات ونستطيع  من خلال حجوزات الطيران أن ندخل إلى دول الجوار ومنها إلى الإمارات، لكن أخي يرفض هذا الخيار، ويرى أن فرصة انتقالنا إلى دول أوروبا المتقدمة قد لا تأتي مرة أخرى. أخي حزم أمره وقرر الذهاب إلى فرنسا، ومن هناك سوف يحاول عبور البحر إلى بريطانيا، وما يعيقه عن ذلك أمله بإقناعي أن أشاركه الرحلة، وأنا لا أعرف ماذا أفعل، وخائفة جداً من أن أبقى وخائفة من المغادرة، وخائفة من كل شيء".

وكانت قد أصبحت أوكرانيا وروسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقاً، قبلة الكثير من الطلاب السوريين المقيمين في الخليج بسبب تكاليف الدراسة القليلة جداً مقارنة بجامعات الخليج ذات التكاليف الباهضة والشروط المعقدة، إضافة إلى أن وجود إقامة للسوريين في دول الخليج يسهّل لهم الحصول على تأشيرة دراسية مقارنة بالسوريين في سوريا أول الدول المجاورة لها.

محمود عبد الهادي سوري متزوج من أوكرانية ومقيم في كييف، يعمل في تجارة الأنتيكة، بينما يعمل أخوته الثلاثة الحاصلين على الجنسية الاوكرانية بالتجارة في ذات المدينة. ومع بداية إرهاصات الحرب أرسل محمود زوجته وأطفاله الثلاثة إضافة إلى عوائل أخوته إلى مصر. يقول محمود بكل هدوء "لن نغادر أوكرانيا، لدينا الكثير من الأعمال، ولدينا مستودعات لن ندعها عرضة للسرقة. ننتظر هدوء الأوضاع لإجراء المعاملات البنكية الخاصة بحساباتنا المصرفية" ويعتقد أن هدف الحرب شخصيات محددة من السياسيين والعسكريين، وقيام حكومة جديدة موالية للروس، وأن المدنيين لن يُمسّ بهم في ظلها، وحينها سيستطيع إعادة عوائلهم إلى أوكرانيا لمتابعة حياتهم.

ويتابع "أنا هنا منذ 2001، كانت أوكرانيا قبلة السوريين الدراسية لسهولة الدراسة وتكاليف المعيشة الرخيصة، وبعد بداية الصراع السوري توقفت الحكومة الأوكرانية عن إصدار الفيز للسوريين إلا بشروط صعبة جداً وأعداد قليلة. يوجد فئة من الشباب السوريين الذين انخرطوا في تجارة المخدرات والأعمال الإجرامية في الفترة بين 2015 و2017، قامت الحكومة بملاحقتهم ما اضطرهم إلى الهرب إلى أوروبا الغربية".

كثير من السوريين عالقون الآن في المدن الأوكرانية خاصة في كييف وأوديسا وخاركيف، ويخطط كثير منهم للوصول إلى غرب أوروبا، لكن تقطع أوصال الطرق يتطلب منهم دفع مبالغ هائلة للسماسرة، وهذا ما يجعلهم عرضة لعمليات النصب والاحتيال، إضافة إلى عدم وجود خطة واضحة لما بعد التحول إلى دولة أخرى، فحاضرهم ومستقبلهم قائم على تطور الأحداث وعلى الخوف.