الشرطة العسكرية الشيشانية في حلب

طائرة النقل تو 154 التابعة لوزارة الدفاع الروسية، التي سقطت صباح 25 كانون الأول 2016 في البحر الأسود، بُعيد إقلاعها من مطار أدلر جنوب روسيا، وهي تحمل على متنها فرقة ألكسندروف الموسيقية لمشاركة العسكريين الروس في سورية احتفالات أعياد رأس السنة الميلادية؛ كانت تقلّ الجنرال فلاديمير إيفانوفسكي الذي تولى رئاسة الأكاديمية العسكرية في مدينة سان بطرسبورغ، قبل تعيينه قائداً للشرطة العسكرية الروسية في آب الماضي.

مهمة إيفانوفسكي في سورية انتهت قبل أن تبدأ؛ فقد كان من المفترض أن يشرف هذا الضابط رفيع المستوى على نشر كتيبةٍ من الشرطة العسكرية الروسية في حلب، كانت موسكو قد أعلنت عن إرسالها إلى سورية، بعدما سيطرت قوات الأسد والميليشيات الشيعية على القسم الشرقيّ من هذه المدينة بدعمٍ جويٍّ روسيٍّ كثيفٍ وفعال. تزامنت هذه الخطوة مع إعلان الأسد عن نيته استقدام قوات حفظ نظامٍ من دولٍ صديقةٍ له: مصر، الصين، أرمينيا... لكن المفاجأة ليست في إرسال قواتٍ شرطةٍ روسية، بل في نوعية عناصرها المتشكلة من غالبيةٍ شيشانيةٍ بحتة؛ لتمثل سابقةً في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، يتمّ فيها إرسال قواتٍ من قوميةٍ غير روسيةٍ، يعتنق أصحابها الدين الإسلاميّ، إلى بلدٍ أجنبيّ! ربما أراد الكرملين من ذلك أن يُظهر للرأي العام المحليّ والعالميّ أنه يتفهم الطبيعة الدينية لسكان حلب، ولذلك اختار أشخاصاً من دينهم.

انتشرت قوات الشرطة الشيشانية، التي تضم نحو 400 جندياً، في بعض أحياء حلب، ولا سيما ذات الطبيعة السكانية المختلطة -الميدان وبستان الباشا والهلك والشيخ خضر والشيخ مقصود- وفي محيط مطار حلب الدوليّ. وصرّح فرانز كلينتسيفتش (النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسيّ لشؤون الدفاع والأمن) بأن نشر هذه القوّات سيكون من أجل «تقديم يد العون للسلطات السورية في الحفاظ على النظام العام، ولدعم عملية التسوية السياسية في البلاد»!

سبقت هذه القوة إلى سورية (8 كانون الأول 2016) كتيبتان من فرقة القوات الخاصة للرئيس الشيشانيّ رمضان قاديروف الموالي لروسيا -المعروفتان بـ«الشرق» و«الغرب»- من أجل العمل على حماية مطار حميميم في اللاذقية. وقد تم ضم هاتين الكتيبتين، التابعتين لفرقة المشاة الميكانيكية 42 في الجيش الروسيّ، إلى الشرطة العسكرية الروسية في أواخر تشرين الثاني 2016، ليرتدي أفرادهما البيريه الحمراء والكتافيات الخاصة. وفي بداية كانون الأول من العام نفسه استكملت عمليات التجهيز لتكونا على استعدادٍ تامٍّ للسفر من أجل حماية المنشآت العسكرية الروسية في سورية.

أنشأ كتيبة «الغرب» متقاعدو القوات المعارضة للجنرال المخضرم جوهر دوداييف في قرية كين-يورت أوائل عام 1992؛ وكانت القوة الوحيدة في تشكيلات الشيشان التي لم تضم انفصاليين سابقين. أما العمود الفقري لكتيبة «الشرق» فتشكل من أنصار العميد سليم ياماداييف، الذي انتقل مع رجاله للقتال إلى جانب القوات الروسية الاتحادية خريف 1999.

استمر القتال بين عشيرتي قاديروف ويامادييف عدة سنوات؛ تبادلتا خلالها التهم بالعمالة لموسكو وارتكاب جرائم واعتداءات ضد بعضهما. ووفقاً لبيانات الخبراء، كانت جماعة قاديروف تابعة لإدارة الكرملين والمخابرات الروسية، أما جماعة يامادييف فلوزارة الدفاع.

انتهت المواجهات بحل الكتيبتين في تشرين الثاني 2008، وقتل سليم ياماداييف وشقيقه رسلان بالرصاص في كلٍّ من موسكو ودبي دون الكشف عن القاتلين. في حين واصل عناصرهما السابقين الخدمة في التشكيلات الشيشانية المختلفة.

من المعروف أن أفراد هاتين الكتيبتين يملكون خبرة قتالية واسعة، لا سيما في المدن والمناطق الجبلية الوعرة المماثلة للطبيعة التي يوجد فيها مطار حميميم العسكري. شاركت كتيبة «الشرق» في الحرب الروسية الجورجية عام 2008. بينما قام أفراد الكتيبتين، بعد حرب إسرائيل مع حزب الله عام 2006، بحراسة المنشآت المتضرّرة في لبنان أثناء ترميمها، وبحماية قوات الهندسة الروسية خلال عمليات نزع الألغام.

يأتي إرسال قوات شرطةٍ من الشيشان إلى حلب في محاولةٍ روسيةٍ يائسةٍ للتمويه على الطابع المذهبيّ لاحتلال شرقي المدينة من قبل الميليشيات الشيعية -الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية- وتطمين السكان بأنه لا خوف عليهم من هؤلاء. إلا أن المستشرق ليونيد إيسايف له وجهة نظرٍ أخرى، إذ يقول: «الشيشان مسلمون سنّة، أي مثل غالبية الشعب السوريّ، وهذا ينبغي أن ييسر تفاعلهم مع السكان المحليين. لكن سمعة الشيشان ستجبر أيّ شخصٍ على التفكير مرّتين قبل الاتصال بهم».