السوريات بين ظلام المعتقل وظلم المجتمع .. أُجبرت بعض المعتقلات السابقات على الزواج من عناصر أمن ومن جنود بقوات النظام

vdc-sy

آلاء من مدينة قطنا في ريف دمشق الغربي، التي اعتقلت في الأفرع الأمنية لنظام الأسد، ولم تخرج منها حتى منتصف العام التالي على اعتقالها، لم تجد سبيلاً للنجاة من عناصر النظام وميليشياته، ولا حماية نفسها ووالدتها سوى الزواج من أحدهم.

بحرقة وحسرة ودموع لا تنقطع تصف آلاء حالها: "أنا ما نسيت دم أخواتي ولا يوم، ويمكن زواجي من هيك شخص خيانة لدمهم، بس أهون عليّ من إنو يصير شي لبقية عيلتي". خسرت آلاء شقيقين أحدهما في منطقة خان شيخون والآخر في معتقلات النظام، وتقوم منذ خروجها من المعتقل برعاية والدتها العاجزة. وحسب آلاء فإنها لا تنعم بالاستقرار في حياتها مع زوجها، لكن الخوف من الانفصال يخيّم عليها، واصفة حياتها بأنها "تقطيع وقت لبين ما الله يفرجها".

تقول آلاء لـ عين المدينة: "لم أكن أتدخل في شؤون الثورة بشكل علني، إنما اقتصرت على تلبية طلبات أخوتي القابعين في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة السورية، ومع ذلك لم تتردد عناصر تلك الدورية التي داهمت الحي أواخر عام 2013 في اعتقالي، ونقلي إلى فرع المخابرات الجوية في العاصمة دمشق، حيث مكثت أكثر من سبعة أشهر، لأخرج منه دون تهمة مباشرة أو قضية مرفقة في ملفي الأمني".

تتابع آلاء: "رغم التعذيب والضرب والشبح والصعق الكهربائي الذي تعرضت له طيلة تلك الأشهر، وآثارها الواضحة على وجهي وجسدي أكثر من سنتين، لم تكن نظرات المستقبلين لي أرحم من سياط الجلادين، فما اكترث أحدهم للضرب والإهانة التي عانيتها، وما كان يجول في خاطرهم سوى سؤال واحد "حدا لمسك؟!"  في إشارة منهم للاغتصاب".

حاولت آلاء شرح حياتها في المعتقل لكافة أقاربها وجيران الحي، وإقناعهم بأن أحدهم لم يتعرض لها سوى بالضرب والتعذيب، إلا أن علامات تكذيبها وقناعتهم بما يجول في خاطرهم كانت بادية على وجوههم، وما أن دار الحديث بين الأهالي حتى بدأت نظرات الشبان -ولاسيما عناصر الميليشيات الموالية للنظام- تتوجه إليها حاملة تعبيرات دنيئة بحسب قولها. "لازم أحمي حالي!!" فكان لا بد لها من إيجاد حل لحماية نفسها من أي انتهاك قد تتعرض له، كما تشرح.

تقول آلاء: "بعد شعوري بالخطر من الشبان المنتشرين في شوارع المدينة، وفشلي في الانتقال إلى مدينة أخرى، كوننا لا نجد شاباً (يقوم علينا) ويعيننا، ولا وضعنا المادي يسمح بذلك، لم يكن أمامي سوى الخضوع لأول مخرج يظهر في طريقي". وأضافت: "تقدم أحد عناصر جيش النظام من أبناء محافظة الحسكة للزواج بي، وكنت على يقين أنه لا يمكن لأحد غيره طرق باب بيتنا، وعلى يقين أكبر أن الألسن التي لم ترحم سمعتي لن تسمح لأحد بالتقدم لي، فما كان أمامي سوى القبول به".

لم تكن آلاء الوحيدة من المعتقلات والمعارضات السوريات اللاتي أجبرن على القبول بالزواج من عناصر أمن وجيش النظام والميليشيات التابعة له لأسباب مختلفة. يقول الصحفي أحمد عبيد لـ عين المدينة أن عشرات الفتيات من المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام أُجبرن على القبول بزيجات مشابهة لزواج آلاء، مشيراً إلى أن المناطق التي شهدت اتفاقات تسوية وتهجير قسري في ريف دمشق هي صاحبة النصيب الأكبر من مثل هذا الزواج.

وأضاف عبيد: "عقب اتفاقات التهجير القسري التي تعرضت لها مدن وبلدات ريف دمشق منذ أواخر عام 2016 وحتى مطلع 2018 شهدت عودة للأهالي النازحين إلى المدن المجاورة، وتكاد لا تخلوا عائلة من أحد المطلوبين من أفرادها للأفرع الأمنية التابعة للنظام، فكان لا بد للأهالي من سلك هذه الطريق لتأمين الحماية من الاعتقالات والمساءلات التي تخص أبناءهم المهجرين".

وبحسب الصحفي فإنه لا يمكن إنكار دور الفقر وصعوبة المعيشة في انتشار الظاهرة، وبالأخص في مناطق التسويات، فمن لم يهجر قسراً إلى شمال سوريا ولم يلجأ خارجها لا يمتلك القدرة على الزواج في الوقت الراهن في بلدان مدمرة بشكل شبه كامل، مشيراً إلى أن هذا أحد أبرز الأسباب التي تدفع بالأهالي للقبول بهذه الزيجات إلى جانب السعي لتأمين الحماية.

لا ترى ناشطات معتقلات سابقاً أن سبب الزواج من عناصر النظام يعود بالضرورة إلى العوز أو طلب الحماية من خارجات من السجون، هرباً من ضغط المجتمع أو تحرش عناصر النظام أنفسهم، فقد عاين بعض الناشطات عن قرب قصص حب نشأت بين سجينات في الأفرع الأمنية وسجانيهم أو المحققين معهم. تقول إحدى الناشطات اللواتي خضن تجربة الاعتقال "أعرف قصص حب بين سجانين انشقوا عن النظام وتبعوا سجينات خرجن من السجن. في بعض الأحيان لا تجد المعتقلة نفسها مضطرة لتبرير أو شرح تفاصيل حياتها في السجن للسجان الذي يتقدم لخطبتها، لأنه يعرف سلوكها جيداً في السجن". وتضيف أن غالبية حالات الزواج من عناصر النظام تخص معتقلات غير متعلمات، أما بالنسبة إلى الأهل فلا يطالبون الزوج في مثل هذه الحالات بمهر ابنتهم.