- Home
- Articles
- Radar
البعث بكل ألوانه الداكنة ورطوبته.. خالد في الساحل
حين تغيب أدبيات البعث وألوانه الداكنة وشعاراته وتفاصيله عن مختلف الجغرافيا السورية، وتنشغل مختلف المكونات بالحدث السياسي والعسكري وتفاصيله، و بجنازير دبابات كبرى جيوش الكوكب وميليشياته التي تعرك مختلف أشكال الحياة في سوريا.. يبقى هناك مكان وادع واحد ينعش برطوبته دفاتر البعث القديمة، ويحيي في نفوس حامليها روح الشبيبة والطلائع، روح لا يمكن للتكنولوجيا مهما تطورت أن تحرمها قدرتها على استحضار حافظ الأسد حياً في أي اجتماع لفرع أو رابطة.. إنه الساحل السوري، حيث مصطلحات البعث ومكوناته يمكن أن تنتعش في كل قرية ومدرسة وصف وقاعة ومناظرة وفرقة وشعبة.
الزملاء التالية أسماؤهم "هيثم سليمان، محمد عيسى، بشرى جمول، عماد سليمان، ايفلين فرحا" حازوا على المركز الأول في المناظرة المركزية، ممثلين عن اتحاد فلاحي طرطوس الذي تقدم على نظيريه الحموي والدرعاوي، وذلك وفق ما نشرت الرابطة الفلاحية في القدموس بريف طرطوس.
المناظرة الفلاحية تلك، توازيها مناظرات في مختلف الروابط الأخرى التابعة للنقابات، ولفروع الحزب، فلا يخلو أسبوع في تلك القاعات نفسها التي كانت تشهد تلك المناظرات مطلع التسعينات، من حشد غفير يردد الشعار في قاعة رمادية اللون، ومن ثم يخوض المناظرة التي ينظمها أمناء وأعضاء ذلك الفرع أو الفرقة أو الرابطة أو الشعبة، مستخلصين الأسئلة من الكتيبات الحزبية التي تم توزيعها على المشاركين في المناظرة قبل أسابيع أو خلال المناظرة السابقة..
سيكون هنالك سؤال حول دور الفلاح الريادي في صناعة التشرينين، تشرين التحرير وتشرين التصحيح، وربما ستخضع الأسئلة لما يشبه إعادة صياغة معاصرة، بحيث يواكب السؤال الراهن، فيكون حول دور الفلاح الريادي في إحباط المؤامرة الإمبريالية على سوريا.. وقد يتم استبدال كلمة إمبريالية على اعتبار أنها استهلكت على مدار عشرات السنوات في القاعات والمناظرات ذاتها، لتستبدل بالصهيوأمريكية، أو الوهابية، أو الكونية، وذلك وفق مزاج لجنة الصياغة التي اجتمعت قبل ساعات لوضع الأسئلة في غرفة أمين الفرقة، حول مدفأة قديمة يمكنهم التحكم بقوة اندفاق المازوت فيها، تحت صورة قديمة للقائد الخالد.
ربما سيكون مكتوباً على الصورة "السيد الرئيس حافظ الأسد"، على اعتبار أن أمراً باستبدالها بعد عام 2000 لم يصدر حتى الآن.. نوافذ معدنية قديمة، دفاتر صفراء كبيرة متراكمة فوق خزانة رمادية قديمة، لابد أنها دفاتر تسجيل اشتراكات؛ كلما سقطت من فوق الخزانة زاد عدد الأوراق التالفة فيها، والتي يعيد حشرها في الدفتر من تسبّب بسقوطها حين فتح الباب بقوة فصدم الخزانة التي تظهر آثار صدمات قديمة فيها.. أعلام قد حشرت بين الخزانة تلك وبين الحائط، وأخرى ورقية ملصقة على باب الخزانة المستعصي على الإقفال منذ خمسة وثلاثين عاماً؛ ألوان الأعلام غير واضحة ابداً، إلا في عيون من يعيش في هذه القاعة منذ عقود.
المكونات التي تحولت لدى جيل كامل إلى ذاكرة بات السوري يستعيدها للسخرية منها، أو ليسوق الدلائل على مدى عفونة الحياة التي كان يعيشها مرغماً عشرات السنوات؛ الصور والأعلام والشعارات وشكل القاعات والموسيقا والأغاني والمصطلحات.. كلها ذكريات يستعيدها السوريون في الخارج اليوم ليحكوا -لمن لا يعرف سوريا- ما معنى أن تقضي طفولتك ومراهقتك وربما شبابك في ظل نظام شمولي.. لكن في الساحل السوري كل تلك التفاصيل لم تتحول بعد إلى الذاكرة، بل هي في صلب الحياة حتى اليوم.. وبشكل مختلف عن باقي المناطق السورية حتى الخاضعة منها لسيطرة النظام.
هنا البعث في صوت كل نشيد صباحي في باحات المدرسة، في وجوه أولئك الموظفين الذين لا أحد يعلم بالضبط ماذا يعملون؛ هم فقط مفرّغون للحزب أو الشبيبة أو الرابطة أو الاتحاد.. تم تفريغهم لملء تلك القاعات الداكنة بهم، واستخدامهم كمضاد صدأ لأدبيات وطاولات الحزب الذي لا يموت.. لا يموت حتى لو سقط في دمشق.