أثرياء جدد في الساحل.. وفواتير تكتسح أرقامها مشهد أرض الميليشيات

متداولة لبار في مدينة اللاذقية

صفتان التصقتا بمطاعم ومقاهي وبارات اللاذقية عبر سنوات طويلة من حكم عائلة الأسد ومجموعة من العائلات الرديفة لها للمدينة، الأولى هي الأرقام القياسية للفواتير التي تسجلها بعض طاولاتها، والثانية عدد حالات التسمم التي يمكن أن تخرج من مطعم واحد.

لا يخفى على أحد من سكان الساحل السوري، وربما سوريا عامةً، أن مبالغ لا يتخيلها عقل يمكن أن تُدفع في مطعم في الكورنيش الجنوبي في اللاذقية، وتصبح حديث طبقة معينة في المدينة؛ لكن ذلك لطالما بقي بعيداً عن وسائل الإعلام. فيما الصفة الثانية يمكن رصدها بمجرد تتبع الصحف ووسائل الإعلام السورية، التي لا يخلو إصدار منها من الحديث عن حالات تسمم خرجت من تلك المطاعم إلى أحد مشافي المدينة. كل ذلك تحت أنظار سلطة لا مشكلة لديها بنشوء هذه الطبقة، فإمكانيات السيطرة موجودة بوجود القدرة على جعلها مفككة قابلة للصراع.

وفي سياق الحوادث التي تنسج على نول تكريس الصفة الأولى وإعادة إنتاجها، تداولت أوساط شعبية في اللاذقية قبل أيام خبراً مفاده أن ابن وزير الداخلية اللواء محمد الشعار دفع مبلغاً قدره 597000 ليرة سورية كفاتورة غداء في مطعم مانويلا على طريق الشاطئ الأزرق في اللاذقية، حيث احتوت الطاولة التي جلس عليها الشاب بمرافقة خمسة من أصدقائه، كل ما يمكن للمطعم أن يقدمه، وهو بالتأكيد ما بقي أغلبه على الطاولة دون استهلاك، كون الكميات كانت كبيرة جداً، ولا يمكن لهؤلاء الشبان إنهاؤها.

الحادثة كان لها وقع مختلف عن مثيلاتها التي تتكرر في مطاعم اللاذقية كثيراً، كونها تزامنت مع حادثة انتشار فيديو عن اللواء الشعار، يقوم فيه بضبط حالة فساد في إحدى المؤسسات التابعة لوزارته في حلب، حيث كان أحد الموظفين يحتسب خمسين ليرة سورية كزيادة على تكلفة أوراق أحد المراجعين، ليعلن الوزير من خلال هذه الحادثة أنه يحارب الفساد.

حياة الساحل اليومية، وتفاصيل أيام وليالي مطاعمها ومقاهيها، كانت ستجعل من فاتورة ابن الوزير حدثاً عرضياً في خضم تزاحم أثرياء مشابهين على تلك المطاعم، فخلال السنوات الأخيرة، اشتهر مطعم الدار في شارع الأمريكان وسط اللاذقية، بأرقام الفواتير التي تخرج من طاولاته، تلك الطاولات التي كثيراً ما تمتلئ بأبناء الضباط، وقياديي ميليشيات الدفاع الوطني والبعث والشبيحة، وهو المطعم الذي اشتهر مراراً بزيارات فواز الأسد له، وغسل يديه بالويسكي قبل البدء بملئ الطاولة بما لذ وطاب، في هذا المطعم بالذات تسجل وبشكل شبه يومي فواتير تزيد عن 100 ألف ليرة.

وفي مطاعم الكورنيش الجنوبي، وعلى طريق القصر، وفي منتجع روتانا أفاميا، والمطعم العائم ocean star، تمتد طاولات تشتهر بعقد الصفقات وتوقيع الأوراق، بين مسؤولين وقادة ميليشيات وضباط… موظفون من دائرة المساحة، والمصالح العقارية، متعهدون ومهندسون، لا تقل فواتير أغلبهم عن 100 ألف ليرة، بعد "عشاء عمل" في أحد تلك المطاعم. يقول مجد سلوان (أحد العاملين في مطعم في الكورنيش الجنوبي) "لولا وجود قادة الميليشيات، والموظفين المتنفذين في اللاذقية، لأغلقت تلك المطاعم أبوابها منذ 2011. فتح ثلاث طاولات أسبوعياً من قبل هؤلاء المتنفذين كفيل بأن يجنب المطعم الخسارة، فما بالك بعشرات الطاولات التي تفتح يومياً، وبفواتير تتراوح بين 50 و500 ألف ليرة سورية. المطعم يصدر الفاتورة بالليرة السورية، إلا أن الدولار هو العملة الوحيدة التي يتم تداولها في الحديث حول طاولات العشاء".

أما في مطعم الانشراح في طرطوس، فبلغت فاتورة وفد حكومي من المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية 682693 ليرة سورية، فيما وفد مؤسسة أخرى دفع 400 ألف ليرة تكلفة غداء وعشاء في أحد مطاعم المدينة، في وقت يمكن أن تكون به هذه الفواتير محط اهتمام الإعلام الدائم للحديث عن فساد مؤسسات الدولة، بينما فواتير مطاعم الميليشيات تبقى رهينة أدراج المطاعم، وذاكرة العاملين فيها؛ كون تسريبها قد يعرّض المطعم وأصحابه للخطر.

أثرياء جدد، وطبقة ناشئة جديدة في الساحل السوري تظهر نفقاتها المهولة من فواتير المطاعم وأشكال السيارات، ومداخل البيوت والأبنية، وامتلاك العقارات؛ طبقة كانت موجودة سابقاً، إنما محاطة بالحصانة السياسية، منتميةً لعائلات مشهورة مقربة من النظام، أما اليوم فتتوسع حدود هذه الطبقة، لتشمل أسماء جديدة، وتتحصن بسلاحها قبل نفوذها السياسي، طبقة قد تخوض معتركاً بين مكوناتها قبل أن تخوض أي صراع مع السلطة السياسية.