- Home
- Articles
- Radar
ناجيات من المعتقلات السورية
وجدت ناجيات من الاعتقال في مناطقهن الثائرة بيئة حاضنة لمعاناتهن وتجاربهن القاسية، بعد إدراك أفراد من المحيط مدى وحشية النظام السوري وممارساته داخل المعتقلات، مما جعلهم أكثر وعياً وتضامناً واحتضاناً لبناتهم بعد الخروج من المعتقلات.
استطاعت عبير (26عاماً من معرة النعمان) بعد خروجها من المعتقلات السورية أن ترسم لنفسها طريقاً وهدفاً في الحياة، وتمكنت بإرادة وعزيمة أن تتخطى نظرات المجتمع السلبية لتكمل حياتها بصبر دون أن تنظر للماضي، تتحدث لعين المدينة عن تجربتها بالقول: "تم اعتقالي أثناء ذهابي إلى مدينة حماة لإتمام دراستي، وقضيت في السجن حوالي سنتين. يعجز لساني عن وصف التعذيب والظلم الذي رأيته، إلى أن تم إطلاق سراحي بصفقة تبادل للأسرى، فصراخ المعتقلين وحده يصم الآذان ورائحة الموت تنبعث من عتمة المنفردات".
تبين عبير بأنها وجدت بعد خروجها كل شيء حولها قد تغير، فالكثير ممن تعتبرهن صديقات مقربات لها بتن يتجاهلن رؤيتها والحديث معها، ولكن الكنز الحقيقي هي والدتها التي وقفت إلى جانبها، وطلبت منها العودة لدراستها في جامعة إدلب. تلخص عبير تلك الفترة بقولها: "اخترت لنفسي سجناً إرادياً لأنني وجدت كل شيء حولي محبطاً، فقمت بحبس نفسي في غرفتي تجنباً لمواجهة الآخرين، وبعد فترة أدركت أنني الضحية الوحيدة، ولا أحد سيشعر بمعاناتي، ولا يمكن إرضاء الناس مهما حصل، فخرجت من جديد إلى الحياة وكلي أمل بغد أفضل".
والدة عبير تتحدث عن تجربة ابنتها بقولها: "فترة عصيبة عاشتها ابنتي في أقبية السجون ذاقت خلالها التعذيب، ونجت من براثن الموت، وبعد خروجها آمنتُ بأنها ضحية لا ذنب لها، فبذلت ما في وسعي لحمايتها وإعادتها للحياة الطبيعية من جديد".
كذلك ريمة استطاعت أن تتخطى الماضي بعد خروجها من المعتقل، وذلك بدعم من زوجها الذي وقف إلى جانبها، وعن ذلك تقول: "كنا نعيش في دمشق، وأثناء ذهابي إلى عملي في ورشة للخياطة وعند أحد الحواجز التابعة للنظام تم اعتقالي بتهمة التعامل مع الجيش الحر، ثم تم اقتيادي إلى سجن عدرا الذي بقيت فيه ستة أشهر قبل إطلاق سراحي منتصف 2018”.
تضيف ريمة: "بعد خروجي من المعتقل قررت أن أنتقل مع أسرتي للعيش في الشمال السوري، أما زوجي فلم يتخلَّ عني ولم يحط من عزيمتي يوماً، كما يتحاشى أي سؤال من الممكن أن يسبب لي الإحراج أو الإهانة، لذلك أعتبره الداعم الأكبر لي في الحياة لتجاوز المحنة".
على أن تلك التجارب المبشّرة تجد ما يقابلها من تنصل وتخلي المحيط عن معتقلات سابقات. فاطمة التي كُتب لها النجاة من سجون النظام السوري بعد اعتقال دام ثلاثة أشهر، وجدت نفسها محاطة بنظرة المجتمع السلبية لها، الأمر الذي كان سبباً بانفصالها عن زوجها وإبعادها عن أطفالها الثلاثة، ومعاناتها تضاف إلى معاناة آلاف النساء السوريات اللواتي وجدن أنفسهن ضحية لظلم النظام السوري واستبداده داخل المعتقلات، ونبذ المجتمع بعد خروجهن منها، فطردن خارج محيطهن ليعشن المرارة والمعاناة بين ذكريات الماضي وظلم الواقع المعاش.
فاطمة (31عاماً من مدينة إدلب) تتحدث عن معاناتها بالقول: "مع بداية الثورة كنا نعيش في محافظة حمص بحكم عمل زوجي في البناء، ومع تزايد أعداد النازحين عملت مع أخريات بتقديم المساعدات الإغاثية لهم، ولم أكن أعلم أن عملي هذا سيكون سبباً لاعتقالي من قبل قوات النظام السوري"
اعتقدت فاطمة بأن نهاية معاناتها ستكون بمجرد خروجها من المعتقل، لكن نظرة المجتمع لها كان فصلاً جديداً من المعاناة، وألماً من نوع آخر، وعن ذلك تقول: "اندملت جروح جسدي واختفت آثار السلاسل والقيود، ولكن جروح قلبي لا يمكن لها أن تشفى، وخاصة بعد انفصال زوجي عني، وإبعادي عن أطفالي".
المرشدة الاجتماعية نور السيد من مدينة سراقب تتحدث لعين المدينة عن التمييز الاجتماعي ضد النساء المعتقلات بقولها: "قلة من الناجيات يتلقين الدعم ويعدن لحياتهن، سواء على صعيد الحياة الشخصية أو المجتمع المحيط، علماً أن الناجية من المعتقل ليست أقل شأناً من الشاب المعتقل، ولم تتلقَ عذاباً أقل من عذابه، لذلك على المجتمع دعمها وتقبل ما مرت به، ورعايتها والوقوف إلى جانبها لمحو الذكريات السوداء من ماضيها، والمشاهد المؤلمة التي حفرت في ذاكرتها."
وفي ظل واقع تقل فيه إمكانيات الدعم النفسي للمعتقلات والمبادرات المجتمعية والمدنية المخصصة لمساندتهن، أطلقت منصة (عيني عينك) التدريبية حملة بعنوان (ناجيات أم ليس بعد) بهدف تسليط الضوء على قضية المعتقلات السابقات في سجون نظام الأسد، ورفع الوعي حيال تلك القضايا، ودعم النساء لإعادة دمجهن في المجتمع وفتح الطريق لذلك من خلال نشر الوعي في أوساطهن، ومنحهن الفرصة للتعبير عن أنفسهن، ومشاركة ما تعرضن له بعد الاعتقال.
فالنساء السوريات اللواتي واجهن أقسى أنواع الظلم داخل سجون النظام السوري، لا تنتهي معاناتهن بعد نيل الحرية، إذ يجدن أنفسهن في مواجهة واقع فرض عليهن وكبلهن بقيود جديدة.