كان المبرّر الوحيد لعقد طاولةٍ، سُمّيت طاولة حوارٍ، في موسكو، هو إصرار الحكومة الروسية على جمع شيءٍ يسمّي نفسه "معارضةً" بالنظام السوريّ، على أرض الدولة الأكثر تأييداً لهذا النظام. وهو ما قوبل بالرفض والمقاطعة من غالبية تيارات المعارضة السورية، بدءاً بالائتلاف الوطنيّ، وليس انتهاءً بالشخصيات المستقلة أو حتى ببعض أطراف المعارضة الأكثر قبولاً للحوار مع النظام. لتكون جلسة موسكو بمثابة غزلٍ بين فرقاء متفقين بالأصل، لأن أغلبهم من سكان دمشق النظام، "معارضةً" وموالاة، ولضعف التمثيل، من قبل مختلف الأطراف، في هذا الحوار الذي رفضت القيادة الروسية تسميته حتى بالمفاوضات، لأنها لا تعترف أصلاً بحقّ المعارضة السورية في التفاوض مع نظامٍ ما زال يحكم جزءاً من الأرض السورية بالنار وبأجهزة المخابرات.
ولم يخرج اجتماع موسكو بأية نقاطٍ تستحقّ الوقوف عندها. بل انتقى مجموعةً من البنود الواردة في بياني جنيف1 وجنيف2 ليصوغها مرة أخرى، مستبعداً النقاط ذات الحساسية، والتي تناقش تشكيل هيئة حكمٍ انتقاليٍّ، أو توصيف شكل الدولة والدستور الجديدين. كما كان مستقبل الأسد خارج النقاش تماماً، بتوجيهٍ روسيٍّ واضحٍ قبل انعقاد المؤتمر، وبموافقةٍ من أطراف "المعارضة" المشاركة.
وبين تصريحـات "المعارضــين" المشاركين في موسكو، برزت مجد نيازي، الأقرب إلى النظام من بعض رجالاته، لتمتدح مبادرات وتصريحات وفده، وتؤكد على مرونته في طاولة الحوار، دون أيّ حديثٍ عن الوفد "المعارض" التي هي جزءٌ منه، حين قالت: "وفد الحكومة عبّر عن استعداده لبحث جملةٍ من المقترحات التي تقدّمت بها المعارضة".
المقاومـة تنسحب من الــحرب قبل إعلانها
لم يلتفت النظام السوريّ بعيداً عن موسكو، بل كان حضوره فيها مبرّراً لغضّ النظر عن كلّ ما يحصل على أرضه، حتى وإن كانت إسرائيل قد نفذّت فيها عمليةً أودت بقياديين في حزب الله والحرس الثوريّ الإيرانيّ في القنيطرة السورية، وكأنَّ حزب الله ليس الميليشيا الأكثر دعماً للنظام، وكـأن القنيطرة جزءٌ من الجنوب اللبنانيّ. إلا أن الحزب، ممثلاً بزعيمه حسن نصر الله، لم يستطع تجنب الردّ، الذي جاء بعد عشرة أيامٍ، باستهداف موكبٍ عسكريٍّ إسرائيليٍّ في مزارع شبعا، أدّى إلى مقتل جنديين وجرح آخرين. وهو ردٌّ أتبعه نصر الله بالانسحاب من الحرب التي لم تبدأ بصورةٍ مباشرة، عندما صرّح، بعيد العملية، أنه لا يريد حرباً مع إسرائيل: "نحن جاهزون عسكرياً.. نحن لا نريد الحرب". لتبدو الجهوزية العسكرية التي نادى بها نصر الله، من معقله في ضاحية بيروت الجنوبية، جهوزيةً مخصّصةً للقتال في القلمون وريف حلب، لا في الجنوب اللبنانيّ الذي يقول محللون إنه صار طريقاً مفتوحاً أمام إسرائيل نحو بيروت، لأن مقاتلي الميليشيا التي كانت تدّعي حمايته يخوضون مهمةً حزبيةً خارج الحدود.
أمريكا تتجه إلى دعم الحــكومة المؤقتة.. وتدريب قوات المعارضة
بدأ مدرّبون موفدون من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بالتوجّه إلى مواقع لم يتمّ تحديدها بالضبط في دول الجوار السوريّ، للمباشرة بتدريب ما أسمته الإدارة الأمريكية "قوّات معارضةٍ سوريةٍ معتدلة" لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" والتنظيمات الجهادية ونظام الأسد. وجاء ذلك عقب تصريح البنتاغون عن تخصيص 400 مدرّبٍ لدعم قوّات المعارضة، والبدء بإرسالهم إلى معسكراتٍ كانت كلٌّ من تركيا والأردن وقطر والسعودية قد عرضت استضافتها مسبقاً.
إلا أن التدريب الذي أقرّه البنتاغون لم يترافق مع استمرار الدعم بالسلاح لفصائل المعارضة في الشمال السوريّ. فقد سرّبت مصادر قريبةٌ من الإدارة الأمريكية أنباء عن قطع الدعم عن أربعة تشكيلاتٍ مقاتلةٍ في حلب بسبب ما أسمته التحالف مع فصائل جهادية، أو عدم الجدوى من الدعم، فيما خفّضت دعم 12 فصيلاً آخر كانت قد دعمتهم لوجستياً في السابق. وجاء ذلك بالتوازي مع تقدّم جهة النصرة في حلب وإدلب، واندلاع اشتباكاتٍ بينها وبين فصائل معارضة، إضافةً إلى تغيّرٍ في خريطة ولاءات وتوجّهات بعض الفصائل وبرامجها في الشمال.