الجيش الحرّ والعشيرة
(مادةٌ مأخوذةٌ من دراسةٍ عن النفط في المحافظة، منذ خروجه ومنشآته عن سيطرة النظام وحتى الآن. أعدّها فريقٌ من الباحثين. وتصدر قريباً عن "عين المدينة")
شكّل شهر حزيران من عام 2012 فاصلاً زمنياً هاماً بين مرحلتين من مراحل الثورة في دير الزور. إذ تمكّن الجيش الحرّ خلاله من طرد قوّات الأسد من معظم ريف المحافظة، وسيطر على أجزاءٍ واسعةٍ من المدينة. لتنشأ، منذ ذلك الوقت، ظاهرة الاستيلاء والتعدّي على المنشآت النفطية بأنواعها.
فطالت الاعتداءات أولاً سيارات وآليات ومعدّات شركات النفط. وشارك في هذه الاعتداءات كلٌّ من:
- بعض كتائب الجيش الحرّ. بدافع الحاجة إلى السيارات والآليات لاستعمالها في الصراع مع قوّات الأسد.
- كتائب حديثة التشكل -بعد تحرير الريف- أنشأتها مجموعاتٌ وأفخاذٌ عشائريةٌ بدوافع بعيدةٍ عن الصراع مع النظام.
- أفرادٌ ومجموعاتٌ من اللصوص. وجدوا في الفوضى الناشئة وغياب العقوبة الرادعة فرصةً مناسبةً للنهب والسرقة.
وإلى جانب النوع السابق من الاعتداءات ظهر نوعٌ آخر أشدّ خطورةً، تمثل في قيام مجموعاتٍ عائليةٍ أو عشائريةٍ بتفجير أنابيب النفط والغاز المارّة في أراضيها بغاية الضغط على النظام وإجباره على تقديم تنازلاتٍ معينةٍ يمكن تحديدها بما يلي:
- مكاسب ماليةٌ تحت مسمى "عقود الحماية". وفيها توقع وزارة النفط في حكومة النظام عقداً مع المهاجمين -أو مع غيرهم- يلتزمون فيها بحماية الأنابيب المارّة في مناطقهم مقابل مبالغ شهريةٍ تدفعها الوزارة.
- إجبار النظام على التخفيف من سياسة العقاب الجماعيّ التي يمارسها في حقّ سكان المناطق المحرّرة، وذلك بتمرير التيار الكهربائيّ، أو تسهيل وصول المحروقات والموادّ والتجهيزات اللازمة لأعمال الخدمات الرئيسية في هذه المناطق.
- إطلاق سراح بعض المعتقلين من سجون النظام، وتسليم جثامين الشهداء من أبناء هذه العشائر الذين يسقطون في المواجهات الدائرة معه.
لم تنجح عقود الحماية في الحدّ من الهجمات الآخذة بالتسارع والاتساع، أو حتى في منع تكرارها في النقاط والأجزاء التي هوجمت من قبل. إذ افتقد "متعهدو الحماية" في معظم الحالات إلى القدرة وإلى الرغبة في منع مجموعاتٍ جديدةٍ لها، هي الأخرى، مطالبها الخاصّة من النظام، عن مهاجمة الأنابيب المارّة في بلداتهم وقراهم. أو لمجرّد التحدي والنكاية في إطار الحسد والتنافس مع المجموعات الموقعة. ويمكن القول إن أفضل النتائج المسجلة لعقود الحماية هي توقف الموقعين أنفسهم عن تكرار الهجمات خلال المدّة الزمنية التي يغطيها المبلغ المقدّم من وزارة النفط. مما يسمح للأخيرة، وخلال الأيام المعدودة التي تؤثر فيها المبالغ المسلمة لمهاجمي الأنابيب على سلوكهم، بضخّ كمياتٍ كبيرةٍ من النفط خلال وقتٍ قصير. فعلى سبيل المثال نجح فنيو حقل العمر في ضخّ 350 ألف برميلٍ من خزّانات الحقل عبر أنبوب التصدير بعد أن تسلم لواءٌ كبيرٌ ومشهورٌ من ألوية الجيش الحرّ مبلغ 65 مليون ل. س لقاء عقد حماية. وهو رقمٌ لا يقارن بثمن النفط المنقول عبر خطّ التصدير الذي تعهّد اللواء بحمايته وقتها. هذا التعهد الذي تدرك الوزارة أنه لن يسري إلا لأيامٍ قليلةٍ فقط بعد دفع المبلغ. ورغم سعي الوزارة الحثيث للعثور على شخصياتٍ ومجموعاتٍ محليةٍ قادرةٍ على الايفاء بوعودها إلا أنها فشلت في ذلك في غالب الأحوال. ووقعت، في مرّاتٍ كثيرةٍ، في شراك سماسرةٍ ومحتالين يتركز اهتمامهم فقط في الحصول على مقدّم هذه العقود.
وخلال الربع الأخير من عام 2012، وبالتزامن مع ظهور الحرّاقات البدائية لتكرير النفط الخام، ظهر نوعٌ جديدٌ من الهجمات على الأنابيب واستثمارها، تمثل في قيام أشخاصٍ أو عائلاتٍ بثقبها لسحب كمياتٍ من النفط المارّ فيها إلى حفرٍ كبيرةٍ تُنشأ بجوار الثقوب وتستعمل كخزاناتٍ مكشوفةٍ يبيع منها "مالكو الثقوب" النفط للتجار، ليحققوا بذلك أرباحاً طائلة. مما أسهم في زيادة العقبات أمام وزارة النفط، ومفوّضيها من سماسرةٍ ومنتمين محليين إلى شبكة مخابرات النظام، في إغراء مهاجمي الأنابيب بعقود الحماية.
وقد أدّى ارتفاع معدّل الهجمات، واتساع النطاق الجغرافيّ لها، إلى تراجعٍ تدريجيٍّ متسارعٍ في كميات النفط الصادرة عبر خطوط النقل إلى خارج المحافظة، ليبلغ حدوده الدنيا في نهاية العام 2012. وبحسب تقريرٍ خاصٍّ لتقييم الأضرار أعدّه فنيو شركة الفرات عن الاعتداءات التي طالت أنابيب الشركة بأنواعها وأقطارها المختلفة، بلغ عدد هذه الاعتداءات 912 اعتداءً حتى آب 2013.