- Home
- Articles
- Radar
مقاتلو داريا والمعضمية بعد التهجير.. هذه حكاياتهم عناصر وقيادات
فضّل معظم قادة الصف الأول الذين كانوا يديرون فصائل الثوار في داريا والمعضمية المحاصرتين، عدم خوض تجارب قتالية وثورية جديدة توفرها منطقة مفتوحة مثل إدلب وباقي المناطق المحررة شمالي غرب سوريا. غادر عدد من هؤلاء نحو الأراضي التركية تاركين تشكيلاتهم تنتخب قيادة جديدة، بينما لم يبرح البعض الآخر مدينتهم مفضلين مصالحة النظام.
مقاتلو داريا
عندما وطأت قدماه أرض إدلب المعقل الأخير للثورة، سارع أبو إسلام المقاتل السابق في "لواء سعد بن أبي وقاص" أحد أبرز الفصائل التي كانت تقاوم النظام في داريا على تخوم العاصمة- بالانضمام إلى "هيئة تحرير الشام". يقول أنه يكره التطرف، ومن تجربته التي نيّفتْ على الثلاث سنوات في إدلب لمس "الكثير من الصدق في مقاومة النظام، وإن كان الأمر لا يخلو من صراعات على السلطة، وتشدد ديني لدى بعض الأفراد والمجموعات هنا وهناك".
أبو جهاد أحد زملاء أبو إسلام في داريا، قاتل في أكثر من 50 معركة دفاعية عن المدينة التي صمدت قرابة 1350 يوماً في وجه إحدى أطول حملات النظام العسكرية ضد المدن الثائرة؛ في إدلب فضّل الانضمام إلى "حركة أحرار الشام" متخلياً عن فصيله السابق "لواء شهداء الإسلام". يقول "الأحرار حركة كبيرة ومناسبة لطموحي العسكري" على حد تعبيره، وهكذا يمكن للشاب الذي لم يبلغ ال24 من العمر أن يقاتل على معظم جبهات الشمال السوري التي تربطها هذه الحركة.
تبعت أبو إسلام مجموعة من رفاقه إلى الهيئة، في حين كان عدد المنضمين لأحرار الشام و"جيش الأحرار" أكبر، لكن من ترك فصائل داريا منتسباً لإحدى التشكيلات الكبرى العاملة في إدلب قليل نسبياً بالمقارنة مع باقي أفراد الألوية الثلاثة التي كانت تقاتل في داريا (شهداء الإسلام، سعد بن أبي وقاص، المقداد بن عمرو)، الذين فضل معظمهم البقاء في تشكيلاتهم السابقة، لكن مع الانضمام في أوقات مختلفة لواحد من أقوى الفصائل العسكرية في الشمال السوري، "فيلق الشام".
ثالث ألوية داريا "لواء المقداد بن عمرو" المكون من مقاتلين من أبناء كفر سوسة انضم أيضاً للفيلق. ثم تبعه لواء شهداء الإسلام، ليتفق غالبية فصائل داريا مع المعضمية أخيراً على القتال ضمن صفوف فيلق الشام. وحتى الآن، لا يمكن التنبؤ بتطورات حاسمة ستطال تشكيلات المدينتين في مناطق تهجيرها، كل شيء تقريباً بقي على ما كان عليه خلال مرحلة الحصار، وجميع الألوية لا تزال تحتفظ بنفس الأسماء ونفس المقاتلين مع ملاحظة حدوث تقلصات في العدد.
مقاتلو المعضمية
من بين المئات، لم يغادر مدينة المعضمية من "لواء الفجر" سوى بضعة مقاتلين سافر معظمهم نحو الأراضي التركية. وعندما كان عشرات المقاتلين يحزمون أمتعتهم لمغادرة المدينة نحو إدلب، فضل طبيب العيون ومؤسس اللواء علي خليفة معه معظم قادة الصف الأول والمقاتلين البقاء في المعضمية ومصالحة النظام؛ فاختار إذن قائد اللواء أبو محمود نتوف مشاركة الدكتور خليفة والسيد أبو جمال الخطيب رئيس مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق- البقاء داخل المدينة المكتظة بالشبان المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية "للسهر والإشراف على تنفيذ بنود اتفاق المصالحة".
بينما رفض معظم المقاتلين والقادة الميدانيين الذين يعملون ضمن "لواء الفتح المبين" -أكبر التشكيلات في المعضمية- خيار المصالحة الذي انتهجه رفاقهم في الفصيل الآخر، مفضلين ركوب الباصات الكبيرة التي كانت تصطف عند حاجز الفرقة الرابعة من جهة السومرية في 19 تشرين الأول 2016. كان من بين الذين هُجّروا قادة الصف الأول والثاني، ومنهم إمام وحمزة أشهر قائدين ميدانيين في المعضمية، والعشرات.
عشية التهجير، وفي ظل انهيار تشكيل "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" الذي كان لواءا سعد والفتح المبين من فصائله في ما كان يدعى بالقطاع الأوسط (داريا والمعضمية)، قرر اللواءان الانضمام لفيلق الشام. انقسم لواء الفتح إلى قسمين: الأول يقوده حمزة، واختار المكوث في عفرين عقب سيطرة المعارضة عليها، والآخر مع إمام الذي آثر البقاء في إدلب. الخيار الأخير اتبعه لواء سعد بن أبي وقاص مفضلاً المرابطة وإرسال المؤازرات إلى الجبهات التي يحتدم فيها القتال مع النظام على تخوم إدلب.
وحده الملازم أول أبو شاهين، الذي أطلق يوماً ما في داريا "لواء الأحرار" ثم انتهى إثر تكتل فصائل داريا ضده بعد أشهر قليلة من انطلاقته، وحده اختار فور قدومه إلى إدلب المضي نحو الريف الشمالي لحلب، لينضم مع مجموعة من عناصره إلى أحد التشكيلات الكبيرة في المنطقة، ويشارك في عمليات "درع الفرات" و"غصن الزيتون".
يتجاوز تعداد مقاتلي فصائل داريا والمعضمية في إدلب الألف مقاتل، يرابط الجميع على نقاط متعددة في جبهات الساحل وحلب وحماة. عند احتدام معركة حلب شاركوا في القتال، كما كانت لهم جولات في معارك أبو الظهور، لكن أكبر المشاركات العسكرية تتجلى في المعركة الحالية التي يشنها النظام على ريفي حماة الغربي والشمالي. ورغم أن التشكيلات السابقة لثوار المدينتين بقيت كما كانت في السابق، لكن مقاتلين فضلوا مغادرة البلاد وعبور الحدود نحو تركيا بغرض متابعة الدراسة أو البداية في حياة جديدة بعيداً عن القتال والعمل المباشر في الثورة، لكن في المحصلة يمكن تقدير عدد من بقي في إدلب بضعفي عدد من غادروا سوريا.
ثلاث نهايات لثلاث قصص
الاستمرار بالقتال: منذ بداية الكفاح المسلح ضد النظام في داريا، شارك الخمسيني أبو تيسير زيادة -الذي كان يدير أحد المطاعم الشهيرة في المدينة قبل الثورة- بتأسيس كتيبة سعد بن أبي وقاص، قبل أن تصبح "لواء" بعد أشهر من الحملة العسكرية على داريا في العام 2013. وعلى الرغم من جميع التهم التي كانت تطاله، على غرار التسبب بمجزرة داريا الكبرى التي ذهب ضحيتها قرابة ألف شهيد، إضافة للاستفراد بالرأي، وغير ذلك، بقي الرجل صلباً أمام جميع المحاولات التي كان قادة لواء شهداء الإسلام يخططون لها بهدف تقويضه.
في إدلب بقي ثابتاً على مبدئه في محاربة النظام، لذلك بقي داخل الشمال المحرر برفقة 50 مقاتلاً (هم من تبقى من لوائه في داريا بعد الانشقاقات العديدة التي شهدها قبل التهجير).
إلى تركيا: أما أبو وائل حبيب أحد مؤسسي لواء شهداء الإسلام، فيعتبر أحد أبرز القادة الذين أمسكوا بخيوط معركة داريا، حيث قاد الشاب الثلاثيني ذو الشخصية الجذابة والمهذبة -بشكل غير رسمي- أكبر تشكيل عسكري في داريا قوامه 800 مقاتلاً؛ كانت شعبية أبو وائل خلال حصار داريا كبيرة جداً، كما التف حوله عشرات الشبان ليغدو الشخصية الأشهر في داريا. وفي إدلب، وبعد أن عسكر مقاتلو اللواء في مقرات تابعة لجيش الإسلام الذي كان يخطط لضمهم إليه، بدأت المتاعب تتصاعد، وبات اللواء الذي يبدو متماسكاً من الخارج يعاني من صراعات ومشاكل داخلية ساهمت في انشقاق عشرات العناصر وانضمامهم للفصائل الموجودة في إدلب، كما تم عزل قائد اللواء النقيب أبو جمال، ليحل مكانه أبو وائل حبيب بشكل رسمي.
تزوج أبو وائل بعد أشهر من التهجير، ثم غادر نحو تركيا بغرض الإقامة فيها مستقيلاً من قيادة اللواء. يفيد البعض أنه لا يزال يعمل ضمن غرفة الموم كنائب لرئيسها، بينما يشير آخرون إلى دخوله ضمن "الحلقة المصغرة الخاصة برئيس الوزراء المنشق عن النظام رياض حجاب"، في وقت يدير فيه مشروعاً افتتحه لتربية النحل.
الدخول في المصالحة: تحول مؤسس لواء الفتح المبين سعيد دوبا (المفتي) إلى أيقونة ورمز لدى ثوار المعضمية قبل أن يستشهد شتاء العام 2013. بعدها جرى تعيين الخمسيني أبو محمود نتوف قائداً للواء، لكنه لم يستطع -على الرغم من نشأته الدينية وأسرته العريقة وعمله المتقن مع فريق من النخب- أن يواكب مسيرة المفتي.
انضم نتوف للجنة التفاوض التي وقعت هدنة معضمية بدايات العام 2014، وبقي ضمنها حتى تنفيذ اتفاق التهجير، ومع رحيل المقاتلين كان يرفض مغادرة مدينته، متسلحاً بحجج يعتقد قسم من ثوار المدينة أنها منطقية. يقول مقاتلون من لواء الفتح "لو غادر المعضمية عند تنفيذ الاتفاق لتبعه معظم شبان البلد، لذلك آثر البقاء لمتابعة تنفيذ الاتفاق؛ هناك عشرات المنشقين والمطلوبين، ولا يمكن حمايتهم دون وجود شخص مثله، ومثل الدكتور علي خليفة وأبو جمال الخطيب!"