عدسة حسن | خاص عين المدينة
"مزرعة البوليل"...
الأشجار ضحايا مجهولة الهوية... وحطب الحرمـــــان من الدفء
في مطلع عام 1987، على بعد خمسة وعشرين كم شرقي مدينة دير الزور، في قرية قطعة البوليل، وعلى مساحة تبلغ مائة هكتار من الأراضي الزراعية، أنشئت مزرعة البوليل لتكون بداية تجربة زراعية جديدة تعمل على تطوير الأساليب الزراعية وجودة المحاصيل وحسن استثمار الأراضي، ولتوفر فرص عمل لبعض من أبناء تلك القرية وغيرهم.
كانت هذه المزرعة تزرع بالمحاصيل السنوية كالقطن والحبوب والشوندر السكري ضمن مساحة تبلغ ما يعادل 80% من المساحة الكلية للمزرعة، وخصصت مساحة أخرى لزراعة الأشجار المثمرة المتنوعة كالخوخ والرمان والنخيل والمشمش والزيتون، إضافة إلى الأشجار الحراجية دائمة الخضرة، معتمدة في ريها على أجهزة وتقنيات زراعية حديثة كالري بالرذاذ والذي يغطي حوالي 38 هكتار، والري بالتنقيط والشبكات الحديثة التي استُجلبت مؤخراً.
ومع بداية الحراك الثوري المسلح باتت أشجار هذه المزرعة ملاذاً آمناً للثوار في معاركهم مع حملات النظام المتكررة على المنطقة.
ومع تطور الأحداث وتردي الأوضاع المعيشية والتغييب المتعمد من النظام للوقود وغيره من وسائل التدفئة وانقطاع التيار الكهربائي، طال أشجار هذه المزرعة ما طال غيرها من الأيادي العابثة والمستغلة لغياب الرقيب، فأضحت هذه الاشجار هدفاً لتجار الأخشاب، ولبعض من احتاج لأخشابها واضطر إلى قطعها كي يدرأ عن أطفاله برد الشتاء القارس، أو ليبيع من أخشابها ما يسد رمقه ورمق عائلته. وطال الاحتطاب العشوائي ما يعادل % من الأشجار المثمرة عدا أشجار النخيل لعدم استخدام خشبها في التدفئة أو غيره، و98% من الأشجار الحراجية بحسب بيانات الموظفين السابقين فيها، لتبدأ تلك الواحة الوارفة الظلال بالتلاشي رويداً رويداً إلا من بعض الأشجار التي قام بعض أهالي القرية بحمايتها، والتي باتت تسبب لبعض منهم المشاكل اليومية مع من يريد احتطابها.
ويقدر أبو سوسن، وهو أحد العاملين في تلك المزرعة، إنتاجها السنوي من المحاصيل المختلفة بخمسة ملايين ليرة سورية من الأشجار المثمرة، و180 طناً من القمح سنوياً، وحوالي 20 طناً من القطن، إضافة إلى إنتاجها من الأصناف الأخرى.
ويقول أبو سوسن: رأيت الكثير من الأشجار تقطع أمام عيني، كنت عاجزأ عن فعل شيء، لقد تعبت وزملائي في العناية بها منذ أن كانت غراساً صغيرة، وحاولت حمايتها وإقناع من يقدمون على التخريب بالتوقف عن ذلك وبلا جدوى، فهم، وبحسب معظم الأعذار، يستخدمون أخشابها في تدفئة أطفالهم، ويضيف الرجل الذي تبدو على وجهه علامات الأسف للخراب الذي حل بالمزرعة: إن بعض من أقدم على هذا العمل لم يكونوا صادقين في دافعهم ذاك، بل كانوا تجاراً أو لصوصاً حقيقيين، من دون أن ينتبهوا لخطورة فعلتهم، مستغلين الفوضى وغياب المحاسبة.
ولقد شكلت مزرعة البوليل والخراب الذي حل بها قضية رأي عام في تلك البلدة وجوارها، وحاول الكثير من سكانها القيام بشيء ما لإنقاذها بلا فائدة، وخصوصاً في ظل انشغال الناس بمجريات الحرب التي تشنها قوات السلطة الأسدية على المحافظة.