قبل أربعة أشهرٍ خرجت عن الخدمة محطة توليد الطاقة الكهربائية في حلب، إثر قصف طائرات الأسد لوحدة التغذية بالغاز المشغّل لها. وبسبب الأضرار الفنية البالغة التي لحقت بتجهيزاتها المختلفة لا يبدو تشغيل المحطة ممكناً في المدى القريب، بل ربما بعد وقوعها تحت سيطرة النظام مرّةً أخرى، وهو الأمر المرجّح حسب مجريات معاركه هناك ضدّ تنظيم داعش الذي يسيطر على المحطة منذ تشرين الأول 2013.
تقع المحطة على مسافة 30 كم شرقيّ مدينة حلب، قرب قرية الرضوانية، على الطريق العام الرقة-حلب. بلغت تكلفة إنشائها 931 مليون دولار. دخلت الخدمة عام 1997 باستطاعةٍ إجماليةٍ 1065 ميغا واط/سا. تتألف الوحدة المولدة للتيار فيها من خمس مجموعات توليدٍ بخاريةٍ مصمّمةٍ للعمل بالفيول أو الغاز، وترتبط بالشبكة العامة عبر عشرة خطوط نقلٍ إلى محطات التوزيع المختلفة على التوترين 230 و66 ك.ف.
كانت محطة توليد الكهرباء، المعروفة اختصاراً بالمحطة الحرارية، المصدر الرئيسيّ (65-75%) لإمداد محافظة حلب بالطاقة الكهربائية. وسبّب التراجع الكبير في إنتاجها، قبل وبعد سيطرة داعش، انقطاعاً شبه دائمٍ للتيار الكهربائيّ عن المحافظة المقسّمة بين أطرافٍ مختلفة؛ النظام في الأحياء الغربية من المدينة، والجيش الحرّ في الشرقية منها وفي الريفين الشماليّ والغربيّ، وتنظيم داعش في الريف الشرقيّ. حاولت فعالياتٌ محليةٌ مثل مبادرة أهالي حلب (مجموعةٌ أهليةٌ وسيطةٌ مهتمةٌ بالخدمات) تحييد المحطة عن النزاع، ونجحت مرّاتٍ كثيرةً في ذلك، وإن في نطاقٍ محدودٍ بسبب صعوبة تأمين الوقود المشغل للمحطة (فيول أو غاز) وكذلك المصاعب الفنية المتمثلة في أعمال الصيانة شبه المتوقفة، قبل أن يُبرَم اتفاقٌ بين داعش والنظام، عبر رجل الأعمال جورج حسواني، أحد أكبر الوسطاء بين الجانبين في قضايا النفط والغاز والكهرباء (نشرت "عين المدينة" في العدد 38 تقريراً في هذا الشأن)، قضى بتقاسم الإنتاج بين الطرفين، وأطلق الآمال باستقرار عمل المحطة في ظروف الحرب، مما يقلص من عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائيّ، وخاصّةً في الجزء الخاضع لسيطرة النظام من مدينة حلب. لكن هذه الآمال سرعان ما تبدّدت نتيجة حماقات الطرفين وانعدام الإحساس بالمسؤولية العامة لديهما، انتهاءً بحادثة القصف التي دمّرت وحدة الغاز قرب المحطة، ثم تدمير مجموعة توليدٍ في قصفٍ آخر استهدف موقع المحطة ذاته، لتبقى مجموعةٌ واحدةٌ يمكن أن تعمل في حال توافر وقود التشغيل (فيول أو غاز) باستطاعةٍ اسميةٍ مقدارها 213 ميغا واط ساعي (110 ميغا واط/سا هي أقصى استطاعةٍ فعليةٍ قدّمتها مجموعة التوليد الواحدة). فيما توقفت ثلاث مجموعاتٍ في أوقاتٍ سابقةٍ نتيجة أعطالٍ فنيةٍ عجز الفريق المشغل للمحطة عن إصلاحها بسبب غياب قطع التبديل اللازمة التي نهبت أولاً من قبل قوّات الأسد المتمركزة –آنذاك- في المحطة، بالتزامن مع أعمال صيانةٍ وهميةٍ تشارك في عائداتها قائد هذه القوّات مع مدير المحطة.
فضلاً عن ممارساته المهينة في حقّ الموظفين، مثل التفتيش والشتيمة والسلب، لم يتورّع قائد قوّات الأسد التي كانت متمركزةً في المحطة عن إطلاق النار فوق رؤوسهم. وقام بقطع التيار الكهربائيّ عن مدينة حلب في كلّ مرّةٍ أراد فيها الضغط على "مبادرة أهالي حلب" وعلى أجهزة النظام في المدينة لتلبي طلباً ما من طلباته الخاصّة التي سهّلها قرارٌ من وزير كهرباء النظام يقضي بـ"دعم صمود الجيش العربيّ السوريّ". ودفع محافظ حلب –آنذاك- وحيد عقاد لزوجة هذا الضابط، في محلّ إقامتها في ريف اللاذقية، مبلغاً طائلاً مقابل أن يطلق زوجها سراح مختطفٍ لديه.
وبعد أن وقعت المحطة تحت سيطرة داعش أُفرغت مستودعات قطع الغيار بالكامل وحُملت في سياراتٍ شاحنةٍ لتنقل إلى مكانٍ مجهول. وتعاقب على إدارة أو "إمارة" المحطة مهاجرون زعموا تمتعهم بالكفاءة العلمية والخبرة لتشغيلها وادارتها، الا أن 100 عاملٍ وفنيٍّ ومهندسٍ من الموظفين الحكوميين في المحطة (من أصل 750 قبل الثورة) هم من قاموا بتشغيلها بالفعل، وحاولوا التغلب على العقبات الفنية الكثيرة، في ظروف عملٍ خطرةٍ يعاقَب فيها أيّ شخصٍ لمجرّد تلفظه بكلمةٍ لا تعجب عناصر داعش أو تدخينه سيجارةً أو وقوعه ضحية وشايةٍ مغرضة.