أثناء توزيع الطعام
بعد أن دُمّرت البنى التحتية الصحيّة وغالبية المشافي الوطنيّة في المدن المحرّرة، بسبب قصف الطيران وبفعل الاشتباكات، نشأ العديد من المشافي الميدانية في هذه المناطق. ولكن، بسبب ضعف الإمكانيات ونقص الكوادر الطبيّة وعدم القدرة على تأمين كلّ ما قد يحتاجه العلاج من تجهيزات؛ جاءت فكرة إنشاء دور استشفاءٍ في المدن التركية الجنوبية المتاخمة للحدود السورية، نظراً لقرب المسافة بينها وبين المدن المحرّرة. وما سهّل نقل الجرحى السوريين هو القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية، مثل مداواة جميع السوريين في المشافي التركية، وليس فقط الجرحى، بالمجان.
دور استشفاء لواء التوحيد
قامت دور الاستشفاء في المدن التركية بهدف مساعدة الجرحى ومتابعة حالتهم بشكلٍ دوريّ، بإشراف أطباء سوريين. وتم تأسيس ثلاثة دور استشفاءٍ في كلٍّ من عنتاب؛ نيزب؛ كلس، من أجل أن تقابل البوابات الحدودية، وتكون قريبةً من المشافي التركية، لسهولة نقل الجريح بعد استقرار حالته الصحية.
يتحدث الدكتور صلاح الصفدي لـ"عين المدينة" عن طبيعة عمل دور الشفاء وبداياتها، فيقول: "كان عملنا في البداية بإمكانياتٍ خجولة، فكنّا نقتصر على مساعدة الجرحى بتأمين مترجمين لهم لتسهيل تواصلهم مع الأطباء الأتراك. ومع تطوّر الفكرة وتوسعها أصبحت مؤسسة التوحيد الطبية تضم ثلاثة دور استشفاءٍ موزعةٍ على ثلاث مدنٍ تركية. وهي تحت إشراف لواء التوحيد، أول الألوية المشكّلة في محافظة حلب بقيادة حجي مارع، رحمه الله".
ويتابع الصفدي حديثه: "لقد شهدت مراكز المؤسسة إقبالاً كبيراً، خاصةً بعد استهداف المشافي الميدانية في الداخل السوري. إذ استقبلنا حتى الآن ما يزيد عن 1500 مصابٍ بين جريحٍ مدنيٍّ أو عسكريٍّ على حدٍّ سواء".
ما تقدّمه المؤسسة من خدمات
أطلع أحمد إبراهيم، وهو أحد الموظفين في دار الشفاء في مدينة نزيب التركية، "عين المدينة" على بعض الخدمات التي يتم تقديمها في المؤسسة: "بعد أن ينتقل الجريح الذي استقرّت حالته الصحيّة إلى إحدى دور الشفاء يُقدّم له ما يحتاجه من احتياجات الفرد العاديّ، مثل المنامة والمأكل والمشرب، بالإضافة إلى تغطية مصاريفه الشخصية، ريثما يشفى بشكلٍ كامل".
واستـــطاعت "عين المدينة" أن تلتقي بأحد الجرحى القاطنين في دار الشفاء للاطلاع على حالته وعلى رأيه في ما تقدّمه مؤسسة التوحيد الطبيّة، فقال الشاب: "أصبت برصاصة قناصٍ في حلب، تسببت بقطع الأوتار العصبية في يدي اليمنى. وبعد أن تمّت معالجتي في مشفى غازي عنتاب التقى بي أحد الموظفين في مؤسسة التوحيد ليأتي بي إلى دار الشفاء في نزيب. هنا كلّ شيءٍ متوفر؛ الطعام والشراب والمنامة والمعاينات الطبية، بالإضافة إلى مبلغٍ ماليٍّ يُقدم لي كلّ أسبوعٍ كمصاريف شخصيّة. هنا أشعر أنّ الثورة لا زالت بخير، وأن تضحيتنا بأرواحنا في الداخل كانت لأجل شعبٍ ثائرٍ يستحقها".
وحدّثنا عبد المجيد، وهو أحد الثوّار المرابطين في أحياء حلب القديمة، عن قصته فقال: "كنا أنا ورفاقي الثلاثة جالسين في إحدى الدكاكين القديمة بالحيّ. وفجأةً سمعنا صفير قذيفة الهاون. سقط سقف الدكان علينا، فاستشهد اثنان من رفاقي فيما لم يصب الثالث إلا بجروح، وأصبت أنا في فخدي الأيمن. أسعفوني إلى مشفىً حكوميٍّ في كلّس، وبعد يومين أتاني أحد الشباب وسألني: "شو رأيك ننقلك إلى دار الشفاء؟". فنقلوني إلى الدار وأكملت علاجي هناك. وقد قدّموا لي كلّ ما أحتاجه، حتى بعض المال لقضاء المصاريف الشخصية".
وفي النهــــاية، ينــــظر المـــقاتلـــون والمدنيون إلى هذه المؤسسة على أنّها أحد المراكز الصحية الثورية التي عملت بصدقٍ وامتهنت خدمة الثوّار وتقديم كل وسائل المساعدة المتاحة لهم، بنفسٍ ثوريٍّ عميقٍ متشبثٍ بمبادئ وطنيةٍ خالصة.