- Home
- Articles
- 1
لن يدحروا رغبة الخلاص
تبدو المسافة بين الحلم والواقع في سوريا الآن كأطول ما تكون، في داخل سوريا وخارجها، منافيها ومهاجرها، تكشّر الوقائع الجيوستراتيجية عن مزاجها الوعر، لتضع شعباً كاملاً بين فكي ملزمةِ ما يُفترض وما هو واقع.
لكنّ هذا هو فقط وجه الواقع في تنظيراته المترفة، فالحال اليومي أكثر التباساً وأشد وعورة. وإذا كنت ستقرأ هذا العدد من عين المدينة، فلربما ستجد كثيراً من الجدران شاخصة بين ما تعيه عن حدود المعاناة القصوى وما تختزنه الأرض السورية من مآس تجاوز حد الإذهال.
الحديث عن تضاد غير متسق عن "لبوات" مقاتلات في صفوف معسكر نظام الأسد، و"أشبال خلافة" تركهم داعش كقنابل اجتماعية مفخخة، يلوّح بتصدع عميق يجر البلاد إلى هاوية طرفاها التطرف والإرهاب بلونيه الأسدي والداعشي، تصدع يترك المجتمع خارج كل ما تقيمه أسس المنطق، ويحوله إلى موضوع للقتل في مشروعين لا يقومان إلا في الصراع على القتل المعمم لبشر اسمهم السوريون.
لا نريد هنا زيادة قتامة المشهد، لا نراهن سوى على قوة السوريين؛ السوريون الذين ينحتون حياتهم من صخر المعاناة في مخيمات ما بعد النزوح الثالث في إدلب، السوريون الذين تلاحقهم آلة القتل الأسدية والإيرانية والروسية حيثما فروا من جحيم الحرب، سوريون تتقاسم وهم التحكم بمستقبلهم أجندات شاذة، انفصالية، وقيامية طائفية إرهابية لا تفارق داعش إلا في مسمياتها الدعائية، لتحاول ترسيخ وجودها الإرغامي بمراكز "ثقافية" تمجد الطغيان، ومشتقات دينية طائفية تحول هذا الطغيان إلى واجب إلهي مقدس.
لهذا الشعب تمظهرات قوة أصيلة تتبدى في قدرته على إعادة اشتقاق الحياة من صروف الموت، وتأسيسها في مواضع استحالة عند غيرهم، وفي إعادة تعريف المتاح بين الحلم والواقع، إذ مهما تبدّت شقّة المسافة واسعة بين حدود ما يجب، وما يقع في الأرض المحروقة والبسط المقصوفة التي كانت مدناً وقرى تناثرت تحت البراميل- يبقى دائماً أن أوهام تأسيس سوريا مناهضة لحقوقها، في ذاتها تتلاشى عند حقيقة أن بقاء نظام القتل مرتبط بتعذية منهِكة لداعميه، فشلت وستظل فاشلة في دحر رغبة الخلاص عند السوريين