عمل الأطفال وعجز الأهالي عن دفع تكاليف النقل وقلّة عدد المدارس هي أسباب تسرّب الطلاب
حسب دراسةٍ أعدّتها مؤسسة HÜGO واتحاد جمعيات أصحاب الأعمال TİSK التركيتان، يقدّر عدد الأطفال واليافعين السوريين في سنّ التعليم الإلزاميّ بـ(600-700) ألفٍ في عموم الولايات التركية. وتقول الدراسة إن نسبة (15-20)% منهم فقط يتلقون تعليماً مدرسياً.
التسرّب من المدرسة
في ولاية غازي عنتاب، حيث يقيم أكثر من 400 ألف سوريٍّ، وحيث تعدّ فرص تعليم اللاجئين أعلى من غيرها في الولايات التركية الأخرى؛ بلغ عدد المدارس السورية 48 مدرسةً لكافة المراحل الدراسية، تحوي فقط 12 شعبةً لطلبة الشهادة الثانوية. وبلغ عدد الطلبة المداومين 45 ألف طالبٍ في مختلف المراحل.
وصلت نسبة تسرّب التلاميذ والطلبة السوريين في عنتاب إلى الخمسين في المائة، وترتفع هذه النسبة في ولاياتٍ أخرى. وتبدو هذه الظاهرة شديدة التعقيد نظراً لتداخل عوامل مختلفةٍ أدّت إليها، حسب ما يقول علي الصالح، المدير السابق للامتحانات في الحكومة السورية المؤقتة، إذ "لا يكفي عدد المدارس المفتتحة لاستيعاب جميع الطلبة"، وهي "لا تغطي جميع الأحياء التي يسكنها السوريون"، و"تعتمد كثيرٌ من العائلات على أطفالٍ في سنّ التعليم كمعيلين لها"، إضافةً إلى عجز الكثيرين عن دفع تكاليف نقل الأطفال من وإلى المدرسة. وتتشابه المشكلات والمصاعب التي تعاني منها العملية التعليمية في معظم الولايات التي يقيم فيها اللاجئون السوريون.
الإدارة التركية
في هذا العام الدراسيّ أصدرت الحكومة التركية قراراتٍ عدّةً بخصوص العملية التعليمية للاجئين السوريين، كان أهمها إتباع منظومة تعليمهم لإداراتٍ تركيةٍ تتبع لمديريات ووزارة التربية التركية.
ويأخذ معلمون وناشطون على هذه الآلية الجديدة مآخذ عديدةً تتعلق بطريقة إدارتها للملف التعليميّ وتعاملها مع الجانب السوريّ. إذ تندب التربية التركية ما يسمّى بالمنسّقين إلى كافة المدارس، ويتولى هؤلاء إدارة المراكز التعليمية بشكلٍ كامل. وتأخذ على عاتقها أيضاً تعيين المدرّسين بعد خضوعهم لفحص مقابلة. ويرى محمود الكردي، وهو مدرّسٌ نشط باكراً في قضية تعليم اللاجئين في مدينة عنتاب، أن التغييرات الجديدة سبّبت مشكلاتٍ مختلفةً تتمثل في عدم تعاون المسؤولين الأتراك مع المدير السوريّ، وعلاقتهم المباشرة مع المنسّق التركيّ الذي "تنعدم معرفته بطرائق التعليم السورية والمناهج المعتمدة من الحكومة المؤقتة". إضافةً إلى "الانتقاء العشوائي للمدرّسين الذين قد يكونوا قليلي الخبرة أو يحملون شهاداتٍ مزوّرة". فضلاً عن غياب الرقابة التعليمية، إذ لم يُعيّن –مثلاً- موجّهون متخصّصون، ولم تُحدّد آليات تقييم ومراقبة أداء المعلمين وكفاءتهم. ومن جانبٍ آخر يتحدّث المعلمون عن المبلغ الزهيد التي يتقاضونه كراتبٍ شهريٍّ -900 ليرةٍ تركية- الذي لا يكفي لسدّ احتياجاتهم وعائلاتهم.
مبادراتٌ ومحاولاتٌ لتحسين العملية التعليمية
يجتهد معلمون سوريون للعثور على آلية تعاونٍ مع إدارة التربية التركية وإيفاد ممثلٍ عنهم إلى هيئة تعليم الولاية، ويحاولون تشكيل مجلسٍ تعليميٍّ منتخبٍ يتابع شؤون الطلبة.
شبكة أمان هي أحد برامج منظمة المجتمع المدنيّ والديمقراطية. يقول زكريا العاني، وهو مدرّسٌ وناشطٌ في هذه الشبكة المهتمة بشؤون اللاجئين: "عقدت أمان جلسةً لمناقشة واقع التعليم والصعوبات التي يواجهها في ولاية غازي عنتاب، شارك فيها تربويون من مدنٍ عدّة، وحضرها ممثلٌ عن وزارة التربية في الحكومة المؤقتة وممثلٌ عن الهيئة التأسيسية لنقابة المعلمين. وتوصّل المجتمعون إلى ضرورة تشكيل مجلسٍ تعليميٍّ ولجانٍ اختصاصيةٍ وتربوية". كما يحاول بعض المدرّسين الحدّ من تسرّب طلاب الشهادة الثانوية الذين يتركون التعليم بغرض العمل وإعانة أسرهم. يقول الكردي: "نعمل على إنشاء معهدٍ يضمّ ستّ شعبٍ للثالث الثانويّ، ويشبه ما يسمّى بنظام التعليم الحرّ الذي كانت تسمح به قوانين التعليم في سوريا، ويخضع طلابه للامتحان المعياريّ. يحتاج هذا المعهد إلى 1200 دولار شهرياً فقط، ونبحث الآن عن جهةٍ تدعمه".
فيما ينحصر دور وزارة التربية في الحكومة المؤقتة في طباعة الكتب المدرسية المنقّحة وتوزيعها، وكذلك تخطيط وتنفيذ الامتحانات العامة للتعليم الأساسيّ والثانويّ داخل سوريا وفي دول الجوار، عدا تركيا التي تولت وزارة تربيتها إدارة هذا العمل ابتداءً من هذا العام، كما ذكرنا سابقاً.