جانب من ضفة الفرات في الميادين
عانت الميادين طيلة العقود السابقة من إهمالٍ شديدٍ في البنى التحتية، ولذلك قد يأتي الحديث عن استثمار شاطئ النهر في هذه المدينة ثانوياً أمام انقطاع الماء والكهرباء والحفر التي تملأ الطرقات. ولكن في ظلّ هذا الزحام الذي تشهده الميادين، إضافةً إلى وجود رأس مالٍ ضخمٍ فيها نتيجة تحوّلها الى المركز الاقتصادي الأوّل للمحافظة، والسوق الاستهلاكيّ الأهم لعائدات النفط؛ كان لا بدّ من توظيف الميزة التي تحسد عليها المدينة، وهي موقعها على نهر الفرات، فكانت المقاهي والمطاعم المفتتحة حديثاً على ضفة النهر واحدةً من مظاهر هذا الاقتصاد.
أنشئت في السنوات السابقة عدّة مطاعم على شريط شاطئ النهر المقابل للمشفى الوطني ولمركز التنمية الريفية. ولعلّ للوضع المادي البسيط لأغلب سكان الميادين وريفها آنذاك دورٌ في تفعيل هذه المطاعم كمقاهٍ أيضاً، وخصوصاً في فصل الصيف. وعن ذاك يحدثنا أبو أنور، وهو أحد مرتادي هذه الأماكن في الصيف، بالقول:
أتردّد أنا ومجموعةٌ من الأصدقاء بمعدّل مرتين في الأسبوع على الأقلّ إلى أحد المطاعم النهرية لتناول الشاي وشرب النارجيلة على شاطئ الفرات صيفاً، وذلك لجمال المكان وكونه مكشوفاً، ونسائمه عليلة. لكن هذه الأماكن تتصف بأسعارها المرتفعة إذا ما قيست بالمقاهي العادية ذات السقوف المغلقة، ولذلك لا يستطيع أغلب زوار المقهى التقليديين المجيء إليها بشكلٍ دوريّ. فببساطة معادلة الجلوس في هكذا أماكن كانت واضحة: (قعدة حلوة مقابل مبلغ أكبر من المال).
ظاهرة المقاهي النهرية
كان لقدوم هذا الكمّ الكبير من الوافدين إلى مدينة الميادين أثرٌ كبيرٌ في التزاحم على موارد هذا البلد، الذي يشكو أهله أساساً من الإهمال. ولكن لهذا العدد من الناس كبير الفائدة من ناحية تطوير الاقتصاد لا على مستوى الكمّ فقط بل على مستوى الكيف أيضاً. وما انتشار المقاهي المجاورة لشاطئ النهر إلا طريقةٌ لتطوير هذا الشريط الذي يعاني من الإهمال. كان ذلك ما أوضحه لنا حسام الفهد، وهو مالك أحد هذه المقاهي، بالقول:
منذ أواخر الشتاء بدأت بالتحضير للمقهى ليكون جاهزاً مع قدوم فصل الربيع، لأن الجو يصبح عندها مقبولاً للجلوس في الخارج. وفعلاً، ورغم حداثة المقهى الذي عمره عدة شهورٍ فقط، بدأ عددٌ كبيرٌ من الوافدين يرتاده، وخصوصاً في أوقات الذروة، والتي هي في هذا الفصل بين الرابعة عصراً والثامنة مساءاً. وعندما تزداد درجة الحرارة مع قدوم أشهر الصيف فإن ساعات الذروة قد تبلغ ضعف هذه المدّة، أي من أربع ساعات إلى سبع أو ثماني ساعات، إذ يبقى عددٌ جيدٌ من مرتادي المقاهي حتى الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة ليلاً.
أسعارٌ منافسة
وفي حديثه عن الغلاء الذي قد يكون متوقعاً في الأسعار، بحكم كون المقهى مجاوراً للنهر، أجاب الفهد: عمدنا أن تكون أسعارنا مشابهةً تماماً لأسعار المشروبات أو النارجيلة في المقاهي التي ضمن البلد، وذلك كسباً للزبائن. كون الربح يكون هنا بكثرة ارتياد الزبائن، وليس بغلاء الموادّ التي يطلبها الزبون.
غياب الموافقات وضعٌ مريحٌ نسبياً
يتابع الفهد كلامه: سابقاً كان للموافقات التي تؤخذ لافتتاح مقهى أو مطعم من الإزعاج والتعقيد والتكلفة ما يجعل البعض يتراجع عن فكرة المشروع ذاته، ليتوجّه إلى بابٍ آخر لاستثمار ماله. أما الآن، ولأنه لم يتبلور بعد قانونٌ جديدٌ ملزمٌ من الأنظمة من قبل المجلس المحليّ أو أيّة جهةٍ أخرى تضبط القوانين، فقد سهّل هذا الأمر على من يملكون عقارات (طابق أول، أو بيت عربي) مجاورة للنهر أن يستثمروها. وهناك حالياً مقهيان جديدان من النمط الذي يجمع بين رخص الأسعار وجمال الجلسة على شاطئ النهر. وبتصوّري العدد قابلٌ للزيادة في الأشهر المقبلة، نظراً لما لذلك من عائداتٍ مربحة.