- Home
- Articles
- Radar
في الشمال السوري.. تزوير الشهادات يغرق الجامعات والمنظمات بغير المؤهلين
يلجأ كثير من السوريين إلى طرق باب مزوري الوثائق والشهادات الدراسية خاصة من كل الأنواع، في سبيل تلافي عجزهم عن استصدار الثبوتيات لأسباب اضطرارية عديدة، بينما يحاول قسم منهم امتلاك ثبوتيات لا يملكها أساسها، للإفادة من فرصة عمل أو دراسة أو سفر أو غيرها، حتى صار التزوير من الأمور شبه العلنية.
عمل عدد من الشبان الذین لا يحملون شھادات جامعية أو لم يكملوا تعلیمھم الجامعي، بالحصول على شھادات مزورة من قبل مكاتب تزویر بھدف الحصول على وظيفة في المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، حيث تنتشر مكاتب عديدة للتزوير، الذي تساهم في انتشاره تعدد الجهات التي تمنح الشھادات ويتم التعامل بها في الشمال السوري: النظام وحكومة الإنقاذ التابعة لھیئة تحریر الشام والحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني.
خالد اسم مستعار لسوري من إدلب في العقد الرابع من العمر، يحمل شهادة من كلية التجارة والاقتصاد في جامعة حلب، بعد أن يئس من إيجاد عمل في المنظمات الإنسانية، عمل في معمل تصنيع البلوك لأكثر من عام، حتى نصحه صديق يعمل كمدير لمكتب الدعم النفسي في إحدى المنظمات بالحصول على شھادة بطريقة ما للعمل معه في المنظمة. یقول خالد: "حضرت دورات تدريب على الصحة النفسية والدعم النفسي، حتى أصبحت بعد 6 أشھر متقناً للأمر".
هكذا صار خالد يتلقى 600 دولاراً في الشهر، بعد أن دفع 45 ألف ليرة لمكتب التزوير. یضیف: "تبلغت إدارة المنظمة شكوى بكوني أحمل شھادة مزورة. طلبوا مني الخضوع لفحص من قبل خبراء نفسيين، اجتزت المرحلة بسبب الخبرة التي اكتسبتھا، بالإضافة إلى قیامھم بفحص الشھادة ولكن بسبب الحرفية العالية في تزویرھا لم یستطیعوا كشفھا".
وأكد العديد ممن تحدثوا عن تجاربهم مع تقديم شهادات مزورة لمنظمات عدة، أن التزوير لم يكتشف في حالات قليلة. عمار الصوفي وھو مسؤول طبي في مؤسسة الشام الإنسانية العاملة في مناطق الشمال السوري، یشرح أن حالة تزوير اكتشفتها إدارة المنظمة بسبب شكوى وصلت إليها، كانت تخص "أحد العاملين في قطاع اللقاح الروتيني وذلك بعد شكوى من قبل أحد الأشخاص".
وأصبحت إعلانات التزوير صريحة على صفحات برامج التواصل الاجتماعي، حتى وصل ببعض الصحف غیر الرسمية الصادرة عن سوريين في تركیا إلى إدراج إعلانات التزوير في صفحاتھا، وانتشر الکثیر من السماسرة الذین یعرضون على الراغبین قوائم بأسعار الشھادات التي یطلبونھا، وافتتح العديد منهم مكاتب للتزوير في الشمال السوري، وقد اشتدت حدة التنافس فیما بینھم لجلب الزبائن، ما أثّر على الأسعار التي يتقاضاها المزورون، والتي انخفضت بشكل كبير بعد أن كانت خیالیة في وقت مضى.
أبو رامز یعمل في مھنة التزوير (ھویات شخصیة، شهادات خبرة، بيانات عائلية، إخراجات قيد، وشھادات ثانویة وجامعیة) سابقاً كان يملك مكتباً في ريف إدلب الجنوبي يضم مكتبة وآلة للتزوير، يقول: "آلة التزوير ثمنھا مرتفع جداً، لذلك نضطر إلى أخذ أسعار مرتفعة من الناس. ننسخ شھادة طبق الأصل عن شھادات النظام من خلال التعديل على شھادات سابقة بطريقة احترافية لا یمكن لأي مدقق اكتشافھا".
ویشير بأن أسعار الشھادات تتراوح بین 30 إلى 100 دولار، "حسب نوع الشھادة والوقت المطلوب لحصول الزبون علیھا"، بينما يتراوح سعر البطاقة الشخصیة ما بين 15 إلى 25 دولاراً، أما البیان العائلي فسعره لا يتجاوز ثلاثة دولارات، ودفتر العائلة 21 دولاراً.
عباس (اسم مستعار 22 عاماً) أحد الطلاب الذين تقدموا بشھادة مزورة ودخل إلى إحدى جامعات الحكومة المؤقتة في ريف حلب. يشرح أنه حصل على مجموع لا یؤھله لدخول كلية الھندسة المعلوماتیة، ولكن بعد أن حصل على الشھادة المزورة تمكن من دخوله. "لم تكن ھنالك أية عراقيل من قبل الإدارة من ناحیة التدقیق“.. يقول الشاب الذي يستعد الآن لإعادة تقديم امتحان الثانوية.
الدكتور قتيبة الفرحات الأكاديمي والاستشاري في ملف التعلیم لدى الحكومة المؤقتة، يرى أن تلك المشكلة لم تكن ظاهرة في الفترة الأولى من أحداث الثورة السورية، لأن عدد الطلاب في المناطق المحررة كان قليلاً، وعندما كثر عددهم "ظهرت تقاریر مرعبة عن حجم التزوير“. ويتابع: "عمدت وزارة التربیة إلى وضع معايير لكشف التزوير من خلال الدخول في امتحان معياري لتقييم الطالب، بعد تصديق الشهادة من مكتب الحكومة المؤقتة في عنتاب ثم مدیریة التربية في المحافظة التي یقیم فیها الطالب".
أما الدكتور خالد الضعیف المحاضر في جامعة حلب التابعة للحكومة المؤقتة، فیوضح أن لكل جامعة آلية لفحص الشهادات، ویضیف: "(عادة) خلال معادلة الشھادة یتم مراسلة الجامعة أو المدرسة من أجل التأكد من الشھادة، ولكن مع قطع العلاقات مع النظام، لا یمكن للجامعات التأكد من الأمر، خصوصاً أن المزورين أصبحوا محترفين في موضوع الأختام، لذلك تقبل أغلب الشھادات من قبل الجامعات للأسف".
عملت وزارة التعلیم العالي والتربیة في الحكومة المؤقتة على اتخاذ إجراءات لكشف الشھادات المزورة، من بينھا الاستعانة بالتحقيق الجنائي للشھادات، ولكن رغم ذلك لم یتم ضبط جميع الشھادات المزورة.
تقول ھدى العبسي وزيرة التربية في الحكومة السورية المؤقتة في تعليقها على تحقيقنا: "لدینا في الوزارة لجان مختصة لديها خبرة في كشف الوثائق المزورة، وھناك عدة طرق ووسائل اتبعتھا ھذه اللجان لكشفها، أبسطھا وأفضلھا مراسلة الجھة التي أصدرت الوثيقة، طبعاً لا ترد كل الجهات".
وتضيف: "ومن الأساليب طریقة تدقیق التوقيع مع وثائق سابقة لأشخاص مؤكدة صحة شھاداتھم، وكذلك تدقیق الإيصالات المالیة التي بحوزة مقدم الوثائق، إذ یتم سحب الشھادة على الماسح الضوئي بدقة عالیة جداً، أو نستخدم مجھر خاص بهذه الأمور".
وتشير العبسي إلى أن "دولاً لھا إمكانياتها لا تستطیع كشف المزور في بعض الحالات". وطلبت العبسي تزویدھا بأي اسم لطالب زور شهادته من أجل التصرف معه، ولكن امتنعنا من التعاون في ھذا الأمر تبعاً للسریة في حمایة صاحب التصریح.