تبدو المقارنة ممتعة بين رجلين بارزين من رجال الشبيحة، الأول هو "الزعيم التاريخي" والمؤسس شيخ الجبل، والثاني هو علي كيالي أو معراش أورال، قائد الشبيحة الأتراك ومؤسس حركة البشاريين التي توالي آل الأسد في أنطاكيا ومناطق لواء إسكندرون في الجنوب الغربي لتركيا.
تندر المعلومات حول شيخ الجبل في الأوساط العامة، لكن المعروف أنه ابن عم لبشار، اسمه الحقيقي محمد، وقد استعار لقبه الشهير هذا من شخصية تاريخية معروفة تزعمت الجبل أيام الصليبيين. ولكن، بخلاف هذه الشخصية التي اشتهرت بمزيج من الدهاء والقوة، عرف الشيخ الجديد بالقسوة الفظة والتهور وممارسة التهريب. ولحماية الطرق الجبلية الخاصة وخدمة قوافل الدخان والأدوات الكهربائية، ولأغراض الوجاهة، تراكم لدى محمد الأسد عدد متزايد من الأعوان الذين اختارهم من كبار الأجسام ومحدودي المحاكمة العقلية، مع ميل واضح إلى الاستعراض والبحث عن المتع. وعرف هؤلاء بالشبيحة منذ ذلك الوقت.
وكما هو معروف، عاث هؤلاء فساداً في المحافظات السورية الساحلية وسواها. وتواترت قصص الاستيلاء على السيارات الفخمة وخطف الفتيات الجميلات، دون رادع جدي من قبل قوى الأمن التي كانت موكلة بالتنكيل بأي بادرة معارضة، أو الشرطة التي تنمرت على البسطاء والضعفاء من الناس فقط. وأغرت تجربة شيخ الجبل عدداً من أبناء عمومته، المنافسين على طرق التهريب والاستثناءات الحكومية ومقاسمة الناس في أرزاقهم بالإكراه، ببناء "تشكيلاتهم" الخاصة من الشبيحة. وسرعان ما تحول التنافس إلى احتكاكات وصدامات استخدمت فيها الأسلحة أحياناً. وعندما زاد الأمر حتى عن قدرة حافظ الأسد نفسه على الاحتمال، لم يجد في أجهزة "دولته" من يمكن أن يقوم بالمهمة الخطرة بانتهاك مصالح أحد أفراد العائلة، فأرسل ابنه الراحل باسل لتأديب أبناء عمومته وتقسيم المصالح بينهم وضبطها في حدود لا تستفز الرأي العام المحلي بشكل شبه يومي. وعلى هذا سارت الأمور حتى قيام الثورة.
أما أورال فهو يساري عبثي سابق، وتاجر مخدرات وشريك وصهر لآل الاسد. أسس في فترة مبكرة من حياته جماعة عسكرية شيوعية التوجه، وعبثية السلوك، تنطبق عليها كل مواصفات العصابة الخارجة على القانون. لوحق هذا الرجل وعصابته من قبل البوليس التركي بتهم جنائية أكثر منها سياسية. وتنقل بين لبنان وسوريا. وتفرغ أخيراً وبشكل كامل لتجارة المخدرات برعاية أولاد جميل الأسد. ومع اندلاع الثورة السورية عمل على تجنيد مقاتلين أتراك في صفوف الشبيحة، وشارك كقائد لهم في مذابح عدة، كانت مجازر بانياس آخرها. فكما يظهر في لباس عسكري عبر مقطع الفيديو الذي انتشر مؤخراً على اليوتيوب، يشرح أورال أهمية التصفية العرقية في بانياس، ويؤكد على المنافع الإستراتيجية لهذه التصفية لصالح الوطن. ولا يفهم أحد أي وطن يقصد هذا المطلوب الجنائي، سوريا كلها ووفق الخريطة التي تستثني مدينته ولواء إسكندرون كله، أم الوطن الثاني الذي كثر الحديث عنه ولا يعدو عن كونه كياناً طائفياً لن يملك مقومات الاستمرار؟ يشترك الرجلان في التوحش، وعدم احترام القوانين، وانفلات الغرائز بمختلف معانيها. غير أن ما يميز أورال عن شيخ الجبل هو إطلالته ـ البائسة ـ على عالم الإيديولوجيا، فهل يؤشر قدومه إلى احتياج الشبيحة إلى تنظير طائفي يهدد بتمزيق البلاد ويسير بأصحابه نحو المجهول؟