- Home
- Articles
- Radar
على مدار الساعة تتغير فتاوى «تحرير الشام»
لم يعد يخفى على أي متابع سياسات هيئة تحرير الشام وقائدها «الجولاني»، الذي مارس كل «الموبقات» التي تذرّع بها في قضائه على الفصائل، ورغم كثرة الوقائع والأدلّة إلا أن أشدّها وضوحاً هو اتفاق كفريا والفوعة، والتدخل التركي الأخير!
منتصف تمّوز 2017 بدأت هيئة تحرير الشام بشن هجوم واسع على مقرات حركة أحرار الشام، بحجة أنها تريد إدخال الأتراك، وهو ما عبّر عنه أبو اليقظان المصري شرعي الهيئة، بأنه لو حصل سيكون «إنهاءً للجهاد والمجاهدين» حيث أجاز لمقاتليه استهداف عناصر الأحرار في الرأس مباشرة، بدعوى «التترّس» (راجع العدد: التغلب وفتاوى المتغلبين)، انتهى الهجوم بعد أيام بسيطرة الهيئة على أبرز معاقل الحركة، ومنها معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
في السابع من تشرين الأول أصدرت الهيئة بياناً بعنوان: (روسيا محتلّة لا حليفة) علقت فيه على تصريحات الرئيس التركي حول الدعم الجوي الروسي لعملية إدلب، إلا أن الهيئة تجاهلت في بيانها الحديث عن تركيا، واكتفت بمهاجمة وتهديد «فصائل درع الفرات» واصفةً إياهم بـ «المجرمين والفاسدين وأدوات مؤتمر الخيانة أستانة».
وحول هذا يقول الشيخ حسن الدغيم لـ«عين المدينة» لسنا ضدّ التدخل التركي بل نرحّب به إن كان بهذه السلاسة، حقناً لدماء أهلنا، إلا أننا نأمل أن يسهم في تفكيك هيئة تحرير الشّام، التي قاتلت وبغت على الفصائل بدعوى التعامل مع الغرب، وذلك لقطع الطريق على الروس وسحب هذه الذريعة منهمv
فتاوى الترقيع
بعد بيان الهيئة أعلاه بيوم واحد، دخلت أول مجموعة للجيش التركي إلى مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي بحماية رتل عسكري للهيئة، تلاه رتل آخر في 12 من الشهر الجاري، إلى قرية كفر لوسين بريف إدلب.
وما بين اليوم الأول والثاني بدأت فتاوى وجوه الهيئة ومنظريها بالانتقال من ضفة إلى أخرى مقابلة، إذ لم يفصل بين تحريم وإباحة دخول الجيش التركي سوى ساعات فقط، من أبرز هذه الفتاوى والمواقف، ما غرّد به د. طارق عبد الحليم المقيم في كندا على موقع تويتر «لماذا تنكرون على الهيئة إدخال الأتراك وهي التي تحاول حقن دم الآلاف؟».
تغريدته هذه لم يفصلها سوى ساعات قليلة عن سابقتها التي قال فيها «هجوم الجيش العلماني التركي مع مرتدي الجيش الحر على المجاهدين في إدلب بحجة حمايتها، وليس فيها دواعش قط، اللهم ادحر قوات العلمانية السورية والتركية وحليفتهم روسيا الملحدة».
الطريق نفسه سلكه مشايخ وقادة الهيئة كأبو العبد أشداء، وأبو الفتح الفرغلي وغيرهما، وجميعها كانت تبرر للهيئة وتبارك حسن صنيعها حقناً للدماء!
الاستثمار السياسي
ليست المشكلة في التقلبات والمتغيرات التي تعصف بهيئة تحرير الشام، بل إن مكمن المشكلة يتمثّل في استثمارها السياسي للنصوص الشرعية وليّ عنقها، لتتحول إلى فتاوى حسب الطلب يسخّرها «الشرعيّون» في خدمة مشروع القادة، فما كان حراماً على غيرهم بالأمس، أضحى حلالاً لهم اليوم، وما كان من الموبقات أصبح من أشد القربات.
ولكن أين الخطأ فيما تفعله الهيئة، أليست الفتاوى تُبنى على جلب المصلحة ودرء المفسدة، التي أصبحت أولوية الآن، في ظل الواقع المتردي للثورة، ومواقف الدول منها؟
يُجيبنا الباحثُ في الفقه السياسيّ المعروف على تويتر بـ اسم «د. محمد الأمين» في حوار مع «عين المدينة»: نعم، تُبنى الفتاوى وفق ميزان المصالح والمفاسد، ولكن وفق مصلحة الأمة، وليس وفق مصلحة التنظيم ولا مصلحة الجولاني، مشكلة كثيرٍ من الفصائل والهيئة على رأسها، أنها تجعل نفسها الأمة، أو على الأقل تعتبر وجودها أساسياً ولا غنى للأمة عنها، ومن هذا المنطلق تبني فقهها على أساس مصلحتها، بل على مصلحة أمرائها، ولو أنها راجعت أخطاءها بتجرّد لوجدت أن المصلحة الكبرى للأمة هي بحلّ هذا التنظيم للأبد!.
الاغتيالات الأخيرة
يرى البعض بأن الاغتيالات الأخيرة لبعض الوجوه من الشرعيين وأصحاب الفتاوى الذين يمثّلون التيار الأكثر غلوّاً داخل الهيئة، مؤشرات على محاولاتها تقديم نفسها على أنها حركة معتدلة، لتحظى بقبول دولي، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير، إذ لم تتوقف الاعتداءات على الفصائل، ولا الاعتقالات ولا المضايقات لها من قبل الهيئة. يضيف محمد الأمين: «إن الحركة لا تزال مصنفة على أنها «حركة إرهابية» وهي تُؤوي مطلوبين دولياً، كما أنها لم تغير أسلوبها، ولم تطلق سراح الأسرى مثل الخولي وقنطار، أمّا عن الاغتيالات فهي شأن داخلي نتيجة الصراعات داخلها، واللافت بأن معظم الذين اغتيلوا هم من التيار المتمرد على الجولاني، والذي يسعى لمبايعة الظواهري مباشرة، كما فعل الجولاني مع أميره البغدادي في الماضي!.