أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن 25 كانون الثاني، الموعد الذي حدّده المبعوث الدوليّ للسلام في سوريا، ستيفان ديمستورا، للمفاوضات المزمع عقدها في جنيف بين وفدي المعارضة والنظام، دون أن يتبيّن حتى اللحظة إذا كان المؤتمر سيعقد أصلاً أم لا، في ظلّ غياب جدول أعمالٍ أو ضماناتٍ دوليةٍ للمفاوضات. فيما تتواصل مناورات روسيا السياسية التي تهدف إلى شقّ صفوف المعارضة، بالتوازي مع جرائم حصار وتجويع وقصف المدن التي يمارسها حليف موسكو الأسديّ وميليشياته الطائفية بغطاءٍ جويٍّ وسياسيّ، لتعيد جملة هذه الأحداث التساؤل عن جدوى المفاوضات.
وجه النظام وحلفائه
في وقتٍ كان الجوع يفتك فيه بأطفال مضايا وغيرها من المدن والمناطق المحاصرة، خرجت تصريحات وزير الخارجية الروسيّ، سيرغي لافروف، لتشكك مجدداً في تمثيل المعارضة السورية وهيئة مفاوضاتها، عندما اعتبر فصيلي جيش الإسلام وأحرار الشام تنظيمين إرهابيين، مطالباً باستبعادهم عن التمثيل التفاوضيّ. في الوقت الذي قدّمت فيه موسكو، بشكلٍ رسميٍّ، قائمتها التي تضم 15 اسماً "لمعارضين" موالين لها بغية تمثيلهم في وفدٍ مستقل، كصالح مسلم ورندا قسيس وهيثم منّاع الذي تبنى، في رسالةٍ بعثها إلى مجلس الأمن الدوليّ، وجهة نظر النظام وروسيا حول "الجماعات الإرهابية" الممثلة في وفد الرياض، متحدّثاً عن قوة مجلس سوريا الديموقراطية الذي يرئسه والمرتبط بقوات سوريا الديموقراطية التي زعم سيطرتها على ما نسبته 16% من الأراضي السورية. مطالباً أعضاء مجلس الأمن، بناءً على ذلك، بتبني فكرة تمثيل المعارضة في وفدٍ آخر يطمح منّاع إلى رئاسته. وتزامن هذا مع تصريحات وليد المعلم الذي طالب بقائمة أسماء وفد المعارضة التفاوضيّ. وعلى الجانب الآخر، ورغم الضغوط الروسية؛ أكد ممثلو الدول "الحليفة" للمعارضة، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، الذين اجتمعوا في الرياض قبل أيام، حصرية تمثيل المعارضة في الهيئة العليا المنبثقة من مؤتمر الرياض، في حين أشار منسّقها العام رياض حجاب إلى صعوبة الموقف بسبب ممارسات النظام وحلفائه الممنهجة على الأرض والرافضة لفكرة الحلّ السياسيّـ حين قال: "إذا لم نذهب للمفاوضات فإنهم سيقولون إننا لا نحترم قرارات الأمم المتحدة، لكن أهلنا يقصفون ويعانون من مجاعة".
المواقف الدولية في مكانها
وبعد لقائه الرئيس الفرنسيّ فرانسوا هولاند، في جولةٍ التقى فيها مسؤولي دولٍ أوربية، رأى حجاب أنّ أميركا تراجعت عن موقفها تجاه القضية السورية استرضاءً لروسيا. لكن، بالمقابل، ورغم محاولات النظام وحلفائه استغلال نتائج القصف الهمجيّ الروسيّ على المناطق المحرّرة؛ لم يُسجّل حتى الآن أيّ تغيّرٍ في المواقف الدولية، إذ خرجت تصريحات المسؤولين الدوليين لتؤكد على أن لا مستقبل للأسد في سوريا. هذا ما عبّر عنه الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما في خطابه عن حال الاتحاد، وما اتفق عليه الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان ونظيره الفرنسيّ. بينما أثار جدل مؤتمر جنيف وتشكيل الوفود قضية المرحلة الانتقالية مجدّداً، إذ عبّر الملك الأردني عبد الله الثاني عن عدم جدوى المرحلة الانتقالية مع وجود الأسد، وهو ما أكّده وزير الخارجية السعوديّ مجدّداً عقب إعلان بلاده قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران إثر التعدّي على السفارة السعودية في طهران والتوتر المتصاعد بين الدولتين، الذي رأى العديد من المراقبين أن آثاره ستصل إلى الأراضي السورية عاجلاً أم آجلاً.
تحيل المعطيات السابقة على حالة الاستعصاء السياسيّ التي تمرّ بها القضية السورية. إذ مهما حاول النظام وحلفاؤه التحايل ودفع القضية إلى مصافّ التنازع السياسيّ الصرف، الذي يطمح ديمستورا ومِن خلفه قرار مجلس الأمن 2254 إلى تحريكه؛ فإن أصل القضية تجسّده الجرائم التي يرتكبها النظام ومن معه لتعود وتذكّر السوريين والعالم باستحالة عودة النظام إلى الحكم مهما مدّت تناقضات المصالح والسياسات الدولية من عمر ما تبقى منه. فيما ستكشف مرحلة الطريق إلى الحلّ السياسيّ المتعثر مزيداً من الأوراق المخبّأة والأحداث التي ستسهم في توضيح المشهد أكثر فأكثر في الأيام المقبلة.