حين أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة، قيام الخلافة في أواخر حزيران الماضي؛ كان لا بدّ له من التعريف بالخليفة المجهول شكلاً ومضموناً وقتها، تمهيداً لدعوة الناس إلى مبايعته وتكفير من لا يقوم بذلك من المسلمين.
وفضلاً عن أنه "سليل بيت النبوة"، اقتصرت صفات إبراهيم عوّاد البدري التي ذكرها العدناني على "العالم، العامل، العابد، الإمام الهمام المجدّد"، الذي توفرت فيه "جميع شروط الخلافة التي ذكرها أهل العلم". وإلى جانب ذلك؛ توزّع مكاتب التنظيم الدعوية في مناطق سيطرته كتيّباً ترويجياً للخليفة بعنوان "مدّوا الأيادي لبيعة البغدادي"، كتبه البحرينيّ تركي البنعلي، الذي يعدّ أحد أبرز وجوه التنظيم الصاعدة على الصعيد "الشرعيّ"، باسمٍ مستعارٍ هو أبو همام الأثري. يكيل البنعلي في سطوره المديح للخليفة و"تاريخه المشهود وباعه الطويل في الجهاد"، إذ "نشأ في بيت خيرٍ وصلاح، وترعرع على الدين والفلاح"، ونال البكالوريس والماجستير والدكتوراه في الفقه. معدّداً الوظائف التي شغلها البدريّ، كالتدريس في المساجد، قبل الانتقال إلى "إمرة العمل الجهاديّ"، الذي لم يحدّد البنعلي أماكنه ولا أعمال البدريّ فيه. بالمقارنة مع القادة الجهاديين المعروفين، تبدو سيرة الخليفة، التي يحاول رسميّو التنظيم تفخيمها، ضعيفة.
فإن كان معروفاً عن أيمن الظواهري، مثلاً، أنه انحدر من أسرةٍ متعلمةٍ تعليماً عالياً، ثم اشترك في تأسيس جماعة "الجهاد" المصرية منذ ما قبل دراسته الجامعية في كلية الطبّ، وأنه تعرّض للاعتقال وقدّم للمحاكمة لمرّاتٍ عديدةٍ قبل أن ينتهي به الأمر إلى الجهاد الأفغانيّ، وتأسيس ونشر أفكار القاعدة بالاشتراك مع أسامة بن لادن؛ فإن "البغداديّ" ولد في سامرّاء لأسرةٍ متوسطةٍ، عام 1971. ونشأ ودرس في مدراس حزب البعث وصدام حسين "العلماني" في أواخر السبعينيات والثمانينيات. وشهد الفتى الحرب مع إيران، والتي أودت بحياة أخيه على جبهات القتال. والتحق بكلية الشريعة في بغداد بُعيد غزو الكويت، لينهي دراسته الجامعية ثم ليحصل على الماجستير عام 1999، مواصلاً سعيه لنيل شهادة الدكتوراه كأيّ طالبٍ طموحٍ يسعى إلى رفع شأنه الاجتماعيّ من خلال الشهادات العليا في دولة صدام البعثية. وفي ضوء كلّ ذلك يصعب القول إن البدريّ كان يخطّط لشيءٍ مما حصل لاحقاً.
فحين سقط نظام صدام حسين، في العام 2003، كان الشابّ يعمل إماماً غير منتظمٍ لمسجدٍ صغيرٍ في حي الطوبجي في بغداد، فيما يتابع دراسته. وحتى عندما اعتقل، بعدها بعامٍ، لأربعة أشهرٍ في معتقل بوكا، للاشتباه فقط؛ فقد خرج واستكمل حياته الدراسية التي انتهت في العام 2007 بحصوله على الدكتوراه، بحسب وثائق نشرت مؤخراً. وإن دلّ هذا على شيءٍ فهو يدلّ على أنه لم يكن منخرطاً بشكلٍ فعليٍّ في "جماعة التوحيد والجهاد" التي أسسّها أبو مصعب الزرقاويّ في العراق، والتي تحوّلت إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وهذا ما أكّده، لصحيفة التلغراف البريطانية، أحمد الدباش، مؤسّس الجيش الإسلاميّ الذي يعدّ أحد أهمّ الفصائل العراقية التي قاتلت القوّات الأمريكية بعد 2003.
في منتصف عام 2010 قُتل أبو عمر البغداديّ، خليفة الزرقاوي وأمير ما عرف وقتها بـ"دولة العراق الإسلامية"، بعد سلسلةٍ من الهزائم مُني بها التنظيم على يد القوّات الأمريكية ومقاتلي الصحوات في الأنبار. وعقب هذه الحادثة ظهر اسم أبي بكر البغداديّ للمرّة الأولى، بعد إعلان "الدولة" مبايعته أميراً، والتعريف بمميّزاته ذاتها التي تكرّرها داعش الآن. وحول ذلك ذكر العديد من المقرّبين من تنظيم القاعدة المسؤول، ولو نظرياً، عن التنظيم العراقيّ، أنه لم تتوافر لديهم أية معلوماتٍ عن الشخص الذي بويع. وهو ما عبّر عنه بن لادن نفسه، حين طلب من "الإخوة العراقيين" أن يرسلوا له سيرةً ذاتيةّ للرجل المجهول، كما جاء في إحدى رسائل آبوت أباد.
لا شكّ أن لتجربة الاعتقال والتشنّج المذهبيّ والسياسات الطائفية للحكومات العراقية التي أعقبت سقوط نظام صدام الأثر الكبير في التحوّل الذي طرأ على شخصية إبراهيم البدري، فأغوت
مقولات الجهاد الشابّ سلفيَّ التوجه بعثيَّ البيئة للتعاطف معها. لكن ربما أسهم خلوّ التنظيم من الكوادر في صعود البدريّ، مثلما ساعد الفراغ في سوريا، وانسحاب القوّات الأمريكية من العراق قبلها، على إحياء التنظيم الميت. وليست لذلك علاقةٌ بالنسب ولا بالتحصيل العلميّ ولا بـ"ساحات الـجهــاد".